2013-11-16

مَن قهر الوافدين إلى السعودية؟



على مر السنوات، تراكَم بشكل لم يحدث في دولة حديثة، مقيمون مخالفون للأنظمة في مختلف أنحاء السعودية، وخصوصاً في المُدن الرئيسة، وتعودنا على وجودهم وتعودوا علينا، بمختلف أوضاعهم القانونية، وكانت الحياة تسير بطريقة رتيبة عادية، حتى قررت الحكومة السعودية ترحيل نوعين من المقيمين: المهاجر غير الشرعي الذي لا يحمل إقامة قانونية، والذي يحمل إقامة قانونية ولكنه لا يعمل عند كفيله الذي استقدمه من بلده أو رضي بنقل خدماته إليه أثناء تواجده بالسعودية.

الدنيا تضِجُّ الآن بالسعودية، ومقاطع الفيديو صارت بالمئات عن أحداث شغب اعتراضاً على هذا التحرُّك في قِبل الحكومة السعودية، والكثيرون يتحدثون عن أن الكثير من المطاعم والمقاهي وصوالين الحلاقة ومحال تصليح السيارات، وغير ذلك من المحال التي تقدم خدمات تمس حياة الفرد اليومية بالسعودية، أغلقت أبوابها، والوضع يتدهور.

حقيقة، اللوم يقع على طرفي القضية! حكومة غضت الطرف عن الملايين من المخالفين لنظام الإقامة لسنوات وربما لعقود، وصَحَت فجأة، ودون تفرقة! وبين ملايين المقيمين في السعودية الذين أمهلتهم الحكومة السعودية أشهراً طِوالاً ولكنهم لم يصحِّحوا أوضاعهم، أو يُغادروا البلاد.

أدري! أدري تماماً أن الأمر ليس بهذه السهولة، ولكنه كذلك!

أعرف أحياءاً في جدة - التي عشت فيها 10 سنوات - يقيم بها مهاجرون غير شرعيون، والحكومة كانت تعلم بأمرهم، ولم تحرك ساكناً!

أذكر مرة، في عام 2003 تقريباً، كنت أغسل سيارتي في جدة عند مجموعة من النيجيريين (وكانوا مهاجرين غير شرعيين يعملون لحسابهم الخاص) في شارع اسمه "المكرونة"، وكانوا أصدقاءاً لي، أعرفهم ويعرفونني جيداً. وقبل أن ينتهي غسيل سيارتي، وقفت سيارة شرطة على الشارع المقابل، وأشار لي قائدها بأن أتوجه إليه. ذهبت إليه، فقال لي: لماذا تغسل سيارتك عند هؤلاء المخالفين؟ قلت بعفوية: الكثيرون يغسلون سياراتهم عندهم، وأنا من ضمنهم. فرد بعصبية: لو رأيتك هنا مرة أخرى سأقبض عليك! فرددت: لماذا لا تقبض عليهم هم؟! فلم يرد، وغادر المكان!

والمولودون في السعودية قصة أخرى! وكذلك الذين عاشوا بها لأكثر من 30 سنة، وهم بالآلاف، ومعظمهم لا يعرف غير السعودية وطناً وسَكناً، وخدموا البلد وقدموا الكثير، هؤلاء نادوا كثيراً باستثناءات لا تساويهم بالوافد الذي أتى بالأمس إلى السعودية، ولكن القانون المُفاجيء طُبِّق عليهم أيضاً، واستثنى فقط العاملين بطريقة غير قانونية في دور تحفيظ القرآن الكريم!

أحداث الشغب التي حدثت في السعودية لها ما يُبررها، ولكن السؤال الأهم: هل نحن مقبلون على مرحلة جديدة يُطبَّق فيها قانون القضاء على الهجرة غير الشرعية والإقامة المخالفة بطريقة صارمة أم هي موجة عارمة، ستهدأ بعد أيام، ويعود مع انتهائها المختبئون من مخائبهم؟ ويتخلَّف على أثَرِ أفولِها المُتخلفون؟!

يقول ابن خلدون في مقدِّمته: "القهر من الأسباب الداعية للخبث والمكر والخديعة، كما أنها من دواهي الذُّل والمهانة"، فسُبُل القهر، أراها في أعين المُرحَّلين من السعودية! هم مقهورون من أوطانهم الفقيرة، ومن وطنٍ لم يستطع احتواءهم، فمارسوا ما مارسوا، ولكنهم لايزالون يشعرون بالظلم!

السعودية ليست من الدول الموقعة على اتفاقية إيواء المضطهدين، وهي من الدول القلائل التي ليس بها مكتب يمثل مفوضية شؤون اللاجئين التابع للأمم المتحدة، فمِن حقها أن تطِّبق سياسة عدم الإيواء، ومع أن هذا التطبيق تأخر كثيراً، وتفاقم ضرره حين تأخَّر، إلا أن تطبيقه الآن.. أفضل مِمَّا بعد، بأي حال.

ما يحدث الآن في السعودية كان يجب حدوثه منذ أزمنة، ولكني لا أزال أكرر دعوة الحكومة لإعادة النظر في حال آلاف الأفراد الذين ولدوا في السعودية، وكَبِروا فيها وخدموها، ليتم استثناءَهم بقانون مبتكر جديد، أسوة بكل دول العالم الأول، وحتى الدول التي تقدَّمتْ من حولنا.