"سي دي" على كرسي الانتظار

عندما أخذنا ماريا إلى الطبيب أمس بسبب إصابتها بالإنفلونزا الموسمية، سألتني الممرضة: "هل تعاني ابنتك من حساسية ضد أي دواء؟" ووقتها ترددت قبل أن أجيب: لا.

هل فعلاً ماريا لديها حساسية ضد أي أدوية؟ التفت إلى زوجتي وسألتها، وبدورها أجابتني: لا أدري!

كم مرة أصبت بالإنفلونزا هذه السنة؟ وهل كانت الأعراض مختلفة أم متشابهة؟ الأمراض المزمنة، السكري مثلاً، كيف بدأ، وكيف تمت السيطرة عليه، ومتى اشتد ومتى بدا وكأنه ليس موجوداً؟ هل هناك أنواع معينة من البنادول تؤثر على صداعك النصفي دون غيرها؟ آلام الصدر، الكحة، الإسبرين وعلاقته ببداية حشرجة في الصدر... كل هذا يتوقع الأطباء أن نحفظه؟ إنه أصعب من تاريخ حروب التأسيس الأولى والثانية في نظري.

تمنيت بعد أن انتهيت من إجابة أسئلة الممرضة أني أحمل "سي دي" صغير، به تاريخ ابنتي الصحي منذ وُلدت. منذ أن دخلت العناية المركزة فور ولادتها لأنها أصيبت بسخونة أثناء خروجها للدنيا، سخونة الوضع أم سخونة القادم؟ المهم... درجة حرارتها ارتفعت، وأخذوها منا إلى العناية المركزة، ليُجروا لها التحاليل اللازمة، واستغرق الأمر 3 أيام. تذكرت هذا بعد حديثي مع الممرضة، لكن لو كان معي الـ "سي دي" لعرفت عن ابنتي – وإللي خلفوها – كل شيء.

كل مواطن يجب أن يكون معه "سي دي" يضعه في سيارته (أيام الشتاء والمربعانية فقط) وبقية الأيام في مكان سري بعيداً عن البلايستيشن في البيت، والمواطنة لها أن تضعه في حقيبتها التي تتسع لكل شيء. "سي دي" يتحدث عن فحص الزواج ثم الولادة وتاريخها، والتطعيمات، ويُحدَّث عند كل زيارة للمستشفى ليُسجل كل شيء، ويصبح مرجعاً، ويلغوا على إثره أقسام التقارير الطبية، ودفاتر التطعيمات، والملفات، والأرشيف. ومرة كل سنة، يجب أن تُرفع بيانات الـ "سي دي" لقسم السجلات في وزارة الصحة عبر الإنترنت. "باك أب / نسخة احتياجية" ولا أسهل.

بلاش "سي دي" عشان الخوف من البلل والضياع والخدوش. ليش ما "قووقل" تتبنى مشروع حكومي عالمي لربط كل مستشفيات العالم بشبكة بيانات، على أن تُحفظ التواريخ الصحية لكل بني آدم في سيرفراتها (التي تتسع لكل شيء هي الأخرى) وتربط بيانات كل بني آدم ببصمات أصابعهم. يعني: أروح مستشفى زليخة (مستشفى شهير في دبي، بغض النظر عن الاسم) مادَّاً سبابتي حتى أصل للريسبشن/ الاستقبال لأولجها في جهاز، فيمسحها، ويظهر سجلي الصحي من أول ألتراساوند عملته أمي (أيامي ما كان فيه، تجاوزوها إن أردتم) إلى آخر ضِرس حشيته، فتعرف (زليخة) عني كل شيء، دون أن أعتمد على ذاكرتي المتهادية.

أعرف أن مشروع "قووقل" مستحيل في ظل الانفتاح المشهود، والثقة العالية بين الحكومات (وخصوصاً العربية) في تسجيل ونشر سجلات مواطنيها الصحية، وأخاف أن يظهر بعد هذا المشروع موقع "ويكيليكس" ليُهدد حاكم (ما) بنشر وثائق عمره ومرضه العُضال الذي يؤثر على قواه المخية، ويُؤلِّب شعبه عليه إذ كيف أنه باق على كرسيه للآن، أو ليَنشر تاريخ إمارة (ما) مع الأمراض الجنسية الروسية الصُّنع، أو ليُهدد فنانة (ما) بفضح تاريخها مع "الترقيع" بكل أنواعه.

لا لا.. بلاش من فكرة "قووقل" القابلة للوكلسة، ونرجع لفكرة الـ "سي دي"، يا ترى كم حتاخذ منا الحكومة قيمة الـ "سي دي" ورسوم برمجة لأول مرة؟ طيب رسوم بدل الفاقد؟ طيب رسوم النسخة الاحتياطية؟ طيب رسوم الـ "سي دي" الجديد أبو صورة شخصية عليه؟ والمعلومات تروح الرياض لأن الـ "سي دي" الجديد يصدر من الرياض فقط وعليه صورة شخصية بالأبيض والأسود وياخذ أسبوعين ويرجع، ذلك لأن الجهاز الموجود في الرياض ليس له مثيل في العالم، وسكان بقية المناطق ياكلوا "تبن" وينتظروا بطايقـ... أقصد "سيديهاتهم" الجديدة توصل.

ونجي بعدها للربط الخليجي للسجلات الصحية، ودول تقبل الربط، ودولة (ما) تطلب أن يكون مركز السجلات فيها وإلا فلن تنضم لمعاهدة الـ "سي دي"، كطفل يهدد بإما آيسكريم أحمر وإلا فلا.

"ماريا موهمد جمال"... "بيبي ماريا موهمد"... نادتنا الممرضة، ودخلنا للدكتور، وتركت فكرة الـ "سي دي" على كرسي الانتظار الذي... رُبما ستموت عليه.

تعليقات

  1. شيق لدرجة الألم

    بس الخوف يا محمد لما نوصل لمرحلة ال سي دي هادي
    يحصل غلط وارد جدا جدا جدا وكمان حبة جدا
    إنه تتلخبط معلوماتك مح مواطن ثاني وتلاقي نفسك (بعيد الشر) داخل في عمليه بواسير أو ما شابه :)

    يعطيك العافيه على المقال :)

    ردحذف
  2. @abdullah
    السي دي مربوط بالبصمة يا سيدي. لكن ملفك في المستشفى حالياً مربوط بإيش غير اسمك ورقم جوالك، يعني خربطة (البواسير) واردة الآن أكثر :P

    تحياتي، وشكراً جزيلاً على التعليق :)

    ردحذف

إرسال تعليق