الحفاوة العَوْراء!



في 19 يناير 2008 الساعة: 00:56 ص


كلنا سمع وافتخر بالتكريم الذي حصل عليه اللاعب القناص ياسر القحطاني على المستوى الآسيوي كأفضل لاعب، والذي احتفت به وسائل الإعلام أيّاما احتفاء، وقدّرته بدورها الرئاسة العامة لرعاية الشباب. ومِن قبل، هشام، نجم برنامج ستار أكاديمي، الذي أذكر تماماً كيف غطت الصحف السعودية خبر وصوله إلى المملكة كأنه بطل أسطوري بطائرة "روتانا" الخاصة، وكيف تدافع جمهوره العريق إلى مطار جدة لتهنئته بعِظم إنجازه. وعربياً، القائمة تطول… مِن رياضي إلى فنان إلى راقصة! إن الاعتداد بنجوم الفن والرياضة، وتغطية أخبارهم بات سباقاً من يحموم، يبدأ ولا ينتهي بين الوسائل الإعلامية بكافة صورها، وتنافسٌ يُخال أنه محمود وسَويّ، لأنه ببساطة يدرّ أربحاً طائلة وخير وفير، وضع أسّه وأساسه الجمهور الذي لا ينضب.

أنا لستُ ضد الفن والرياضة بأي حال، ولكن دُولنا تفتخر بإطناب، وتعتدّ دون مساومة، بأبطالها القوميين من الرياضيين والفنانين، ويلتقي أعيانـُها بهم كثيراً، للتباحث في سُبل استغلال طاقاتهم الكامنة الجبارة، ودعمها بكل شيء - أكرر كل شيء – تحت مظلة الوصول إلى العالمية، بمنظور الفكر المادي العقيم الذي لا يُعمِّر ولا يتناسَل، والظهور اللمّاع الزائف، كما نجمة رامية ضبابية، فلا هيَ قريبة للناظرين، ولا ذات جدوى للضالين !


أثار فيّ هذا التألـُّب خبرٌ وصلني إلى بريدي من مجلة سورية يقول عنوانه: "فوز الدكتور السوري فيصل القاسم بلقب أفضل مذيع عربي لعام 2007"، وصدِّق لو أن الخبر جاءني بحفاوته النصية هذه من مصدر إخباري غير سوري، لما تعجّبت! فهل الآن عرفت سوريا أن القاسم سوري؟ وهل كان سيُحقق نجاحاته هذه لو كان قابعاً في سوريا، ممتثلاً لأوامر سوريا، وراضخاً للون الحرية في سوريا؟ بالطبع لا!

وهكذا دواليك، تسمع أخباراً شتى من هنا وهناك من جريدة لبنانية تحتفي لإداريّ (أصله لبناني) أبدع في سويسرا، وقناة مصرية ترقص طرباً لأديب فرنسي (أصله مصري) حقق كتابه أعلى المبيعات، ومجلة سعودية تهلل وتكبّر لدكتورة (أصلها سعودي) منحت وسام شرف وشهادة تقدير لأبحاثها في مجال السرطان من جامعة هارفرد.

كم مِن مرّة سمعتُ عن تكريم لعرب أبدعوا في مسابقات دولية، ومَحافِل علمية عالمية، ولكن أوطانهم لا تـُبالي، وحكوماتهم لا تهتم، لأن الإعلام الداخلي، والمؤسسات المنوط بها تقديمهم ودعمهم ومساندتهم، لم يقوموا بواجباتهم تجاه مَن على أياديهم قد تنهض أمتنا، وتنفك عن شِراكِ الاعتماديّة والاستهلاك الأعمى وحسب.

إنّ الجهات التي تهتم بذيك المبالغة لأمر النجم الفني أو الرياضي أو الراقصة لها مبرراتها الخشبية! فهي تحتفي بالنجم الغنائي فوق العادة لأنه يسهل عليها تكوين فرقة موسيقية وحجز مسرح له، ولها كذلك ضمانُ الأرباح، أما العالِم الفيزيائي فكم سيكلف بناء معامله ودعم أبحاثه؟ ومن سيضمن استمراريته والدخل المادي الذي سيأتي من خلف معادلاته وقوانينه؟ البوْن كبير جداً.
إنّ الاهتمامات البائدة، والقيَم الرخيصة - والتي سبّبها عدم الاكتراث من الجهات العلمية والاجتماعية والشبابية المسؤولة - هي سمة مُعظمِ شباب الأمة العربية التي يغلب على شعوبها عُمر الشباب، وهذا بدوره يُعد سبباً كافياً لتكيّف وسائل الإعلام، والجهات التي تهتم بالنجوم وتدعمهم ترعاهم، وفقَ ما يريده منها جمهورها الشاب، لأن هذا أرخص تكلفة وأدرُّ ربحاً، وليس أن تنتقي لهم نجوماً حقيقيين سطعت أضواؤهم في الدوريات العلمية المشهورة والمحافل الفكرية المعروفة.


إنّها لعوراء تلك الحفاوة، وذاك التمييز الذي يبالغ في قتل همم المبدعين من المفكرين والعلماء العرب، مِن سوى أهل الرياضة والفن والطرب، ويهاجر بعقولهم لأوطانٍ تقدّر أذهانهم وتـُسعد أرواحهم. ذاك التمييز الذي لا نسمع عن اعتدال حِسَّه وإخلاص رَسمه إلا حين يذيع صيتهم في المهجر، ويعلو شأن صنيعهم الذي ما كان ليكون في أوطانهم التي لم تنصِف مواهبهم وتدعم طموحهم.

تعليقات