2009-05-25

لأنها تحدثُ لغير السعوديين!



لو قـُدِّر لغيرِ سعوديٍّ يعيش بالسعودية أن يكتـُب في عمود صحيفة كـ "الوطن" أو "شمس"، بذات التوجُّه المعتاد الذي ينتهجُه الكـُتاب السعوديون، ومثلُ الأريحية، ونفس السقفِ من الحُريِّة؛ فماذا سيقول صديقي السُّوري الذي حكى ليَ اليوم قصَّةً خاضَها البارحة في الجوازات، كي يُدخل بصمات أصابعه في النظام الآلي، بحسب القانون الجديد الذي أقرَّته وزارة الداخلية السعودية. أقسِم بالله أني لو لم أعرف أطرافها ومكان حُدوثها، لحِسبتُ أنها لمجموعة من المهاجرين الزنوج، قبل حركة التحرر من العبودية في القرن التاسع عشر، وأنه كان أحدهم!

حربٌ نفسية قاسية عاشَ أحداثها منذ الساعة السابعة صباحاً، عندما وصل إلى المقر، واصطفَّ في صفٍ طويل يضُم الطبقة الوسطى والدُّنيا من الوافدين الذين يعملون في السعودية، وحتى وصل – مِن تحتِ الشِّمس – إلى المكتب المُكيَّف في تمام الساعة الحادية عشرة صباحاً، مُعذباً هوَ وأقرانـُه بالوافدين من أصحاب حجوزات الدرجة الأولى، وأعضاء الطبقة الأرجوزاية الراقية من غير السعوديين في السعودية، الذين دخلوا عبر مدخلٍ آخر مباشرة مِن أمام أعينهم، دون صفٍ أو رصفٍ أو عصفٍ، وذلك عبر جوازاتِ سفرٍ أمريكية وأوربية ولبنانية، دون أي اعتبار لرموز التعاسة، المصطفين تحت رحمة شمس لا ترحم.

يقول: وبعد أن دخلتُ المكتب لأبصم، وجدت تعاملاً لا يليق إلا بالبقر، أو من هـُم دونهم قليلاً! جنودٌ يصرخون متأمِّرين: "وقف هنا.. تحرك.. إنت أطرش.. وجهك لهناك يا غبي.. رح الشباك الثاني.. إنت ما تفهم" يُملون ما تمليه عليهم أمزجتهم الغوغائية على من هم مُرتزقةٍ في أعينهم. تخيل يا محمد أن أحد المصريين المحترمين، هكذا بدا من هيئته وهندامه، رنَّ هاتفه فرد، وفجأة قفز أحد الجنود من مكانه ليخطف الهاتف من أذن المصري، مستصغراً إياه بأعلى صوته أمام الجميع قائلاً: "ما قلت لك لا تتكلم بالجوال، إنت ما تفهم!.. أقول.. هات بس هات إقامتك وجواز سفرك، وما في بصمة ولا جوال، إمش إطلع برَّه، أنا أعلمك كيف تسمع الكلام"!

مواقف تبكي الإنسانية، وتخلِّد في أرضنا عبودية قاسية، فلا أفواه تتحدث، ولا أقلام تكتب، فقط لأنها تحدثُ لغير السعوديين.

عادَ صديقي بعد أن بَصَم، إلى مكانه تحت الشمس منتظراً، ولم يستلم إقامته إلا الساعة الثالثة عصراً! وطبيعي جداً أن لا يُخبروه متى سيستلمها، وطبيعي أكثر لو أخبروه أنه إن تحرَّك حتى اليوم التالي من مكانه، فلن يستلم شيئاً، فهو لن يتحرَّك، لأنه مُسرَّج بإحكام، ولو حاول المقاومة، فلن يجد نفسه إلا في مهانة مِن فوقها مهانة.

هذا كان صديقي، وماذا لو أمسكت إفريقية بقلمٍ لا تخشاه، وبدأت تحكي حكاية قدومها، والأفواه التي تنتظرها في قريتها، ثم قِصصها مع نبش النفايات بحثاً عن هـُليلاتٍ تجنيها آخر النهار، وحكاياتها مع الذل تحتَ السَّماء، وبيتُ الرُّعب الذي يستـُرها بالفضاء.

وماذا لو تحدَّث المحترمون من بقية الجنسيات، عامل النفايات، والبقالة، والبوفيِّة، والدائرة، عن تعامل أصحابِ لـُقمتِهم أو المواطنين المَحسوبين على الإنسانية أو جنود الشرطة أو الجوازات معهم، لقالوا ما لا يعقله مُتـِّزن، ولكشفوا في طيَّاتِ أحاديثهم عن قلوبٍ مِن رماد، أحرقها الكِبرُ والجشعُ، وفضحتها أعمالٌ لا تقل ظلمة عن ظلمهم، وقيحاً عمَّا انعقدت عليه قرائحهم.

إنهم لا يُريدون ملائكة بسَّامين، ولا بشراً بالطيبِ كاملين، ولا غيرَ الخنوع للأنظمة والقوانين، هم فقط يريدون مَن يُذكرهم بإنسانيتهم، ورجوعِ أنسابهم لأبي الأنبياء والناس أجمعين.

تسألُ عمَّن كفر!


وجاءَ الخبَرْ
عَن حُبٍ انشـَهـَر
من قلبٍ انفطرْ
على ثمرةٍ تليدة
بالعالمِ وحيدة
كالماءِ، كالهواءِ
كالنـَّفسِ، والأنفاسِ
هيَ غيرَ البشَرْ



جاء الخبرْ
من بنتِ الخُبرْ
تسأل عمَّن كـَفـَرْ
فيها ذاكَ النبيضَ
أو ذاكَ الرَّبيضَ
أو تيكَ الحَوَرْ
"أتسمعُ ما أقولْ؟
أتعي ذاك الأفولْ؟
لصبرٍ خَوَرْ
ووقتٍ مَررْ
ها أنا ذا حبُلتُ
بهرٍ، بمُهرةٍ
ببدرٍ، بدرَّةٍ
بأيِّ قمرْ"



وجاءَ الخبرْ
سارَّاً مَدَرْ
دونَ حلٍّ
دون بلٍّ
دون ضررْ
حبُلتْ وردَتي
دونَ فكرتي
أو خاطرٍ خطرْ
ليكونَ القادِمُ
حالمٌ، سالمٌ، عالمٌ
بحبي لها
ولابنٍ حَضَرْ

2009-05-22

النوم على الأفكار!



تتسابق الأفكار إلينا من كل حدبٍ؛ فمع لقاءاتنا، وحواراتنا، وقراءاتنا، لا تـُقلع سماء الأفكار عَن أرضِنا. بعضُ هذه الأفكار ينتهي به الأمر إلى ثوانٍ معدودة يختفي بعدها من ذاكرتنا، وبعضها يستمر وجوده لسنوات!

نـُمسك بزمام ما يبقى، ونـُقلبه بمناسبة، وأحياناً من غير مناسبة، ننتظر (البلوَرَة)، وأحياناً يُقال: "نـَم على الفكرة حتى تنضج". وتنام عليها، منتظراً نضوجَها، وحدك!

جيدٌ أن يدرس المرء أبعادَ الفكرة، وما نتائجُ تنفيذها بعد تفنيدها، بل يُعد هذا من حِكَم الفلسفة الإغريقية التأملية، ولكن هل ستتأمل – إلى جانب تأملاتك – وضعنا الحضاري إن استمرَّت الفلسفة الإغريقية التأملية إلى الآن، ولم يأتِ أرسطو، رائد المدرسة التجريبية، وصاحب الفضل الأول في دراستنا اليوم للعلوم الطبيعية، والفيزياء الحديثة؟

إنها التجربة! أساس الحُكم على الأفكار، حتى قبل أن تـُفنـَّد! سيُقال: "هل ستتسرع بتجربة الفكرة قبل أن تفكر فيها؟" نـَعم! فنحن نجرِّب كل فكرة كل يوم! نـُجرِّبها فرضياً في عقولنا، ونتحقق من النتائج، ونعيد تجربتها بعد تغييرات كبيرة أو طفيفة على عناصرها، ونعود لنتحقق، عِدة مرَّات!

إلى متى؟ إلى أن تكون شجاعاً لتـُخاطِر، وتـُجري التجربة فعلياً خارج عالمك الافتراضي، عندها ستنجَح لا محالة، ستنجَح لنجاح الفكرة وتجربتها، أو ستنجَح لأنك أصبحت شـُجاعاً، لأنك لم تعد تبني أحكامك على التجارب الافتراضية وحسب!

خطوة واحدة من خطوات إجراء تجربة فكرة ما فعلياً، أنبل وأفضل من ألف تجربة تجريها – لذات الفكرة – افتراضياً في عقلك. وهنا الفرق الحقيقي بين النجاح الفعلي، والنوم العميق على الأفكار، منتظراً نـُضوجها في يومٍ ما، قبل أن تتعفن تحتك!

2009-05-04

الفستان الأسود!



إلى مدينةٍ غادَرَتـْني
وقـَبلها بليلةٍ هادتني
طارحتني الغرامَ
عاهدتني الوئامَ
بفـُستانٍ أسودَ قابلتِنِي
ليس ككل مرَّة، قبَّلتني


مرَّت أزمنة، أعرِفْ
قبلَ أنْ أكتبَ، أنْ أنزفْ
لكني لم أجـِف
أو أخبُتَ أو أخِف
ففي كلِّ مرَّة، كلِّ موقِف
يتناوَلني كُنهُ مَا أؤلـِّف
فيَأتي مَا يخذِلُ جنـِّيَتي
ومَن قصدّتُ رغماً أوَلـِّف
إلى أنْ أتيتِ، مَعنيَّتي
بفـُستانٍ أسودَ قابلتني
ليس ككل مرَّة، قبَّلتني


أتعلمينَ كم أنادي؟
كم أريدُ وكم أشيد
وكم أودُّ أن أفادي
بطيرٍ يأخذنا بعيداً
وموجٍ يلحقنا طريداً
وكوخٍ في غير بلادي
لا تقولي متى!
ولا إلى أينَ، حتى!
توقعي أيَّ مكانٍ هادي
في أيِّ وقتٍ سأحين
وأُنهي نَهَاراً أمَّاراً ضنين
في زمنٍ لا يعرف سَادِي
سوايَ - يا دُنيايَ - حين تأتين
بفـُستانٍ أسودَ تـُقـْبلين
وليس ككل مرَّة..
حين أقبِّلكُ وتـَضْحَكِين

بلاغة الصمت تهز العالم

في تلك الحقبة الرمادية من مطلع القرن العشرين، حين كانت السينما لا تزال تحبو في مهدها الصامت، وكانت الصورة لغة كونية لا تحتاج إلى ترجمان يف...