المؤامرة.. حين تكون من الداخل!

مصدر الصورة: trendhunter.com

قرأت وسمعت كثيراً عن الإعلام الموجه، والمؤامرة الصهيوريكية للنيل من عزتنا، والأمبريالية الفكرية التي تهدف لاستعمار عقولنا، وخطف أفئدتنا، وهدم إرثنا المبجُّل، فنترك الثمامة ونطالب بالسينما، ونتجاهل خليج سلمان ونقصد درة العروس، ونعرض عن تليفريك أبها ونهيم في مترو دبي.

وتخيلت لفترة أننا في أتون عاصفة مقننة، يجب أن نقاوم تأثيرها، بدءاً بالمسرح المدرسي، مرورا بمعارض الكتاب، والملتقيات الثقافية، وانتهاءً بأرابز قُت تالنت، لما فيهم، وما بينهم، من فتك بمبادئنا، وانتهاكات لقيمنا، ودعوات لسفور بناتنا، وزندقة شبابنا، وتفسخ مجتمعنا وتفككه.

وتدريجياً، اتضحت المؤامرة، المؤامرة كانت من الداخل، عبر ثلة يتنازعها الرعب مما هو خارجي، لأنها تخشى التغيير، والجديد، والمثير، فأخذت تهول الأمور، وتروج لفكرة مقطوعة السند، وضبابية الأصل، فصورت الإعلام وكأنه الشيطان، يقف على باب جهنم، يترصرد للمجتمع، غيرة من تماسكه، وحقدا على خصوصيته.

ولأن شركات الأبحاث التسويقية لا تخدم شؤون هذه الثلة، إذا قلنا إن مجموعة أم بي سي الأكثر مشاهدة في العالم العربي، وبأن مجموعة روتانا الأكثر تفضيلاً لدى المشاهدين، فهم يجرون على هذه القنوات نفس النظرية، الغزو الخارجي، غير آبهين بالجمهور الطويل العريض، الذي يظنون أنه مفتون بقنواتهم، ومخيماتهم، وندواتهم.

حتى جاءت شبكات التواصل الاجتماعي، التي تُدار بمحتوى المستخدمين، وجاءت محركات البحث، التي تحصي كلمات البحث الأكثر شيوعاً وتداولاً بين الأشخاص العاديين، ففضحت مكنون رغبات واهتمامات المجتمعات العربية، عبر تسجيل تفاعل غير مسبوق مع برامج ستار أكاديمي وأراب آيدل وأرابز قُت تالنت، ناهيك عن صفحات المطربين والممثلين، التي تسجل حضورا بأرقام خيالية، ومعارض الكتب ومحافل الفن، فهل كل هذا أيضا - لو لم يلق كل هذا التجاوب - يُعد خدعة أو طُعماً أو غزوا؟!

إن المؤامرة الحقيقية هي إرساء التخلف عبر ممارسة الحجر على العقول والقلوب، لننتج مجتمعات ضريرة، لا ترى للحياة ألواناً، ونحرمها من تجربة الخطأ، ولذة الإنابة، عبر وصاية استبدادية مقيتة، فلا يُترك للفرد الخيار ليقرر مصيره، ويختار الأنسب لأسلوب حياته.

لقد أثبتت الأرقام أن النهج غير النهج المفروض، والرغبة غير الرغبة المُجبَر عليها، فالنترك الفرد في شأنه، ولنعش شؤوننا كما نختار، ولنترك عنَّا هم الاعتناء بالآخرين، فوالله لن نُسأل إلا عمَّا اقترفنا، وتجنينا به على أنفسنا، وعلى الآخرين.

تعليقات

  1. يظنون أنهم مستهدفون وهم لايعلمون أن هناك مئات الأديان حول العالم وهم نقطة في بحر يكادوا لايوظحون وسط هذا المحيط مترامي الاطراف, لكن ظنوا وخابت ظنونهم وستخيب اكثر حتى يرجعوا إلى الوراء قليلاً ويصلحوا ما تم تخريبه طول هذه السنين. وياليتهم يفعلون قبل أن يُنسون ويفقدوا مصداقيتهم للأبد كما فعلوا الأوروبيون مع كنيستِم.

    تطيل في التدوين وتبدع به يا ابو ماريا. دمت بود
    @mogsaggar

    ردحذف

إرسال تعليق