هاكم ثور إسرائيل



2006/يوليو/16:
في كل مناسبة تمسّ كرامتنا العربية، لا نفتأ نسمع من كل حدٍ تلك الصرخات الخطابية والمواويل العِوائية التي تندبُ قسمتنا بأنا ولدنا تحت إمرة حكام عرب قاسية قلوبهم. والأغرب أن يأتي هذا الصوت الذي يصم الأذُنَ من الحكام ذاتهم أو من ذوي النفوذ والسلطة في ذات الحكومات، كما فعل رئيس دولة إفريقية ذات سيادة قبل أيام!

إنّ الحميّة والتجشؤات الخطابية التي تفقأ الطبول وتخرق جُدر الآذان لا تغني والله الآن. هذا أول ما تبادر إليّ حين قرأت برويّة التصريح السعودي النزيه الذي نصبت له قناة الجزيرة منبراً للنيل منه ووصفه بالمُخجل والجبان. لا والله يا جزيرة، ولا والله يا عبد الباري عطوان (رئيس تحرير القدس العربي) فقد كادت أن تنفجر أوداجك على قناة الجزيرة من شدة تحاملك الضيِّز والجاهليّ على التصريح السعودي الحكيم.

إن السعودية لم يُعهد عنها إلا محاولاتها الجادة – وبأي ثمن – لحقن دماء أي دولة عربية تنزف. وحين أرجأت السعودية سبب الأزمة المتفاقمة حالياً إلى منظمة لا تتمتع بالمسؤولية، قصدت بذلك حزب الله الذي لوّح مبتسماً للثور الهائج بمنديل أحمر حين أسر من أسر وقتل من قتل من جند إسرائيل. وهاكم الثور الآن يعيث قتلاً وضرباً في مدنيّي لبنان… فالشرُّ يعمُّ.

صحيح أن الهدنات المتوالية والاتفاقيات المتتالية التي تبرم مع الصهاينة لم تؤتِ أكلها بسبب جشع واستبداد ذات الثور، إلا أن الاستفزازات والعمليات المتهورة أيضاً لا تنفع معه.

إني أجد ضرورة قصوى لإعادة النظر في الاعتراف بإسرائيل والتعايش معها بسلام. فبعد كل هذه السنين من كل هذه المظالم والمجازر التي أحدثتها، لا أعتقد أن هناك أي تكافؤ يُذكر قد يعطينا بصيص أمل بأن الأزمات الشرق أوسطية ستنتهي قريباً.

فلو أعدنا قِراءة التاريخ، لأدركنا أن معظم دول العالم تكوّنت ورُسمت حدودها بالحروب والتجرّؤات والتعدّيات العسكرية، وهكذا صحونا على شعوبٍ متآلفة مسالمة في جُل أوربا ومعظم آسيا وإفريقيا والأمريكتين، إلا تلك البقعة من الشرق الأوسط التي لا تودّ المهادنة فضلاً عن اتخاذ موقفٍ عسكريّ نفهمه منطقياً.

في هذا الزمن من حياة الأرض، يتحتم علينا حقاً أن ننسلخ عن العواطف والعصبيّات والقوميّات، لنفهم حقيقة ما يدور ونتعايش معه. فقد ولى زمن التسليح والتصنيع، وبتنا نخوض غِمار ما بعد ذلك بكل أشكاله.

تعليقات

  1. حاج سليمان قال:
    يوليو 23rd, 2006 at 23 يوليو 2006 10:06 م

    عبد الباري عطوان
    قدم السيد حسن نصر الله من خلال اللقاء الذي اجرته معه قناة الجزيرة الفضائية دروسا في الصمود ورباطة الجأش، والتحليل العلمي للوقائع علي الارض دون مبالغات دعائية وبصوت خفيض وعفوية صادقة، وهي صفات يفتقد اليها معظم الزعماء العرب.
    الرجل كان في قمة الادب والتهذيب في تناوله لمواقف الزعماء العرب الذين تخلوا عن المقاومة ووقفوا في خندق الجلاد ضد الضحية، العربية، الاسلامية، في سابقة هي الأخطر من نوعها. فلم يسم اي دولة، او اي زعيم، ولكنه قال انه سيحاسب من هددوا بمحاسبته، مثلما سيحاسب من تواطأ مع العدوان ضد ابناء جلدته، وقد يسامح ويغفر، وقد لا يسامح ولا يغفر.
    الوقت الآن ليس وقت اللوم والعتاب، ولكن هذا لا يعني ان نتجاهل دور الحكومات العربية، وخاصة حكومتي مصر والمملكة العربية السعودية في التآمر علي المقاومة، وتبرير العدوان وتوسيع دائرته، من خلال تحميل حزب الله مسؤولية النتائج المترتبة عليه، لانه اقدم علي مغامرة خطف جنديين وقتل ثمانية في عملية عسكرية نوعية مشروعة.
    هذا الموقف العربي المتواطئ مع العدوان ليس وليد حالة من الغضب، او انفعال طارئ، وانما هو تنفيذ لاستراتيجية جديدة وضعت الادارة الامريكية ابرز خطوطها العريضة، ووزعت الادوار بعناية علي الحلفاء، والعرب منهم خاصة، تماما مثلما حدث في حربي الخليج الاولي والثانية.
    السيدة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية التي تستعد لشد الرحال الي المنطقة غداً الاحد، ذهبت الي ما هو ابعد من ذلك عندما اشادت بمواقف ثلاث حكومات عربية، هي المملكة العربية السعودية ومصر والاردن المؤيدة للقرار الاسرائيلي ـ الامريكي في انهاء وجود حزب الله العسكري في لبنان. وقالت ان هناك اجماعا عربيا علي تفكيك البني العسكرية والسياسية لحزب الله باعتباره منظمة ارهابية.
    وهذا الاجماع العربي هو الذي جعل زيارة السيدة رايس الي المنطقة تقتصر علي اللقاء مع ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي ومحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، لانه لا داعي للقاء المسؤولين العرب الآخرين، بعد ان وافقوها علي مشاريعها ومشاريع اسرائيل في تصفية المقاومة الاسلامية تحت ذريعة تطبيق قرار مجلس الامن الدولي رقم 1559.
    ولا بد ان الزيارة المفاجئة التي اعلنت عنها الادارة الامريكية، والمقرر ان يقوم بها الأميران سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، وبندر بن عبد العزيز رئيس مجلس الامن القومي الي واشنطن للقاء الرئيس بوش والسيدة رايس بناء علي طلب سعودي، تحمل مقترحات جديدة حول طبيعة الدور العربي في تصفية المقاومة الاسلامية في لبنان وفلسطين.
    ويبدو ان الشرق الاوسط الجديد الذي تحدثت عنه السيدة رايس في مؤتمرها الصحافي يوم امس، وقالت انه سيقوم بدون النزاعات القديمة، هو ذلك الذي تختفي منه حماس و حزب الله ويطبع العلاقات مع الدولة العبرية اولا، ثم يشكل جبهة موحدة معها في مواجهة ايران، وربما الانخراط في الحرب المقبلة ضدها عسكريا وماليا وسياسيا واعلاميا.
    حديث السيدة رايس عن ضرورة التطرق الي جذور العنف، والتوصل الي قرار دائم، وليس مؤقتا بوقف اطلاق النار، وانهاء المواجهات العسكرية، تجعلنا نتوقع ان تعلن من خلال لقاءيها المنتظرين مع السيد عباس واولمرت عن مشروع سلام جديد، او استئناف المفاوضات، وربما اعادة الحديث عن قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، للتغطية وتبرير استمرار العدوان الاسرائيلي حتي يقضي نهائيا علي حزب الله، مهما كلف هذا القرار من خسائر في صفوف اللبنانيين المدنيين.
    فحتي يسوق الرئيس بوش الاب للعرب العدوان الاول علي العراق عام 1991 وعد بان تكون هذه الحرب هي آخر الحروب، وقال انه سيعقد مؤتمرا دوليا يؤدي الي حل الصراع العربي ـ الاسرائيلي، وقيام دولة فلسطينية مستقلة. وكرر الرئيس بوش الابن وحليفه توني بلير الشيء نفسه لتسويق غزو العراق واحتلاله وتغيير نظامه، بل ان بوش الابن حدد موعد قيام هذه الدولة قبل نهاية العام الماضي.
    ما يمكن استخلاصه من كل ما تقدم هو ان الاجتياح البري الاسرائيلي بات وشيكا جدا، وبموافقة عربية ـ امريكية ـ بريطانية. ولا نستبعد ان يكون ما نشرته يديعوت احرونوت حول اتصال زعيم دولة عربية كبري، لا تقيم علاقات دبلوماسية مع اسرائيل، بايهود اولمرت لتهنئته علي شن الحرب، ومباركتها، وتشجيعه علي الاستمرار فيها حتي النهاية هو دقيق للغاية.
    حزب الله لا يستطيع هزيمة دولة اقليمية عظمي مثل اسرائيل، كما انه لا يستطيع ايقاف غزوها البري، ولكنه قطعا سيلحق بالقوات الغازية خسائر كبيرة، فهو يملك خبرة تمتد حوالي ربع قرن تكللت بتحرير الجنوب اللبناني، مثلما يملك اسلحة جديدة اكثر تطورا من الاسلحة السابقة، ولهذا بشر السيد نصر الله بمفاجآت في هذا الصدد.
    فرص الغزو الارضي الاسرائيلي في تفكيك حزب الله وانهاء بنيته العسكرية قد تكون محدودة للغاية، والشيء نفسه يقال عن فرص الافراج عن الجنديين الاسرائيليين الاسيرين، فحزب الله ليس نظاما له قصور جمهورية، وحرس رئاسي، وثكنات عسكرية، وقواعد جوية. انه مقاومة جماهيرية تنطلق من عقيدة وايمان ويتطلع افرادها الي الشهادة لا الي المناصب او المغانم الدنيوية وهذا هو سر قوته واستمراره وتصاعد شعبيته في العالمين العربي والاسلامي.
    الحلف الذي تريد ان تقيمه السيدة رايس لخوض الحرب ضد المقاومة الاسلامية، من خلال حشد الانظمة العربية وبقايا السلطة الفلسطينية، وتكون اسرائيل رأس حربة فيها سيكون عنوان فوضي دموية جديدة اكثر خطورة من تلك التي نراها حاليا في العراق. لان هذه الحرب ستحول لبنان الي دولة فاشلة تماما مثلما هو حال العراق وافغانستان واخيرا الصومال، والفارق الوحيد والأهم، ان المقاومة التي ستنشأ في لبنان ستجد دعما خارجيا، من سورية وايران، وشعبيا من مختلف الشعوب العربية.
    مشكلة امريكا انها لا تتعلم من تجاربها الفاشلة، وما زالت تعتمد علي الاحصنة نفسها، والعربية، منها خاصة، وهي احصنة هرمة خائرة القوي نخرها سوس الفساد، وتري ان الرضوخ للاملاءات الامريكية، والآن الاسرائيلية، هو الخيار الوحيد لإطالة امدها في الحكم.

    ردحذف

إرسال تعليق