دمعة الخـَلاص!


في 17 يونيو 2007 الساعة: 20:14 م

منذ ولدّت وأنا أعيش على حالِ السَّجين الذي يُوعد في كل يومٍ ألف مرّة بأنه سيُغادر سجنه قريباً! سجن بقضبانٍ من نوعٍ مختلف، وجدرانٍ أصلب من القتل العَمد مع سبق الإصرار والترصُّد. جدارٌ من الحصار القسري، وجدارٌ من الخوف على أخواتي وأمي، وجدارٌ من الفقر المقدعِ، وجدارٌ من حرب نفسية لا تفتأ تكبر وتستعر، والأرض من تحتي كانت عارية كأوجه محدّدي مصيري، والسَّقفُ صنعته التعددية الحزبية في قومي، وما لذلك من أثرٍ فارهٍ في طريقة موتي!

أما قضبانُ سجني الذي كنتُ فيه فكانت محكمة الإغلاق في معظم الأوقات، بل كلها، باستثناء ساعة واحد فقط. ساعة لا تتكرر إلا مرة في العمر. إنها ساعة "الخلاصُ" كما نراها نحن، وكما لا يراها من لا يشعر بنا!

ولِدّتُ في يومِ مقتل أبي، واغتصابِ زوجة أخي، ومقتل 3 من العدو، و30 من أهل الحي الذي نشأتُ فيه. ومِن يومها وضعتني أمي في ذاكَ السِّجن، ولم أقدِّر هل وضعتني برغبتها خوفاً علي أم رغماً عنها – أيضاً خوفاً علي - إلا حين بلغتُ الرابعة عشرة من عمري.

لم أكن محاطاً بسوى عقولٍ نحتها التفكير في ابتكار أساليب لسدِّ جوعي وجوع من هم بسني أو أصغر مني. وكنتُ أسمعُ إخواني يتهامسون من حيث سجني، إذ يعيشون هم أيضاً في سجون أخرى تقابلني وتجاورني، سجون بذات الجُدر والقضبان.

خرجَ أخي الأكبر في ساعة "الخلاص" ولم يعُد! وبعده بأشهر خرجَ أخي الثاني.. ثم الثالث.. ثم الرابع.. كلهم يخرجون ولا يعودون!

كنتُ أعلم أين سيذهبون، وكنتُ أعلم أني سأذهب إلى حيث هم ذاهبون. لأني ببساطة (فـُطِرتُ) على هذا بالوراثة من جدي الثاني. ولادة ثم سجن ثم فرارٌ في ساعة (الخلاص).

أخبروني أنّ ساعة (خلاصي) ستكون مختلفة. وكنتُ أعتقد أنها مهما اختلفت، فلن تسير بي إلى مصير غير مصير إخواني الذين اشتقتُ لهم كثيراً.

حياتي كانَ محورها تلك الساعة، والتي لم أكن متأكداً من وقتِ حلولها وظروفِ حضورها.

ونادى المنادي: "لقد حانت.. لقد حانت"!
آه.. لقد حانت وحُق لي أن أبتسم. يا الله! لم أبتسم منذ ولادتي! هكذا شعرتُ أو كما علـّقت أختي التي قبّلتني على جبيني ورددت: "راجع نفسك يا أمين، إذا أردّتَ أن تلحق بأبيك وإخوتك"!

سمعتها، ولم أعلـِّق، لأني لم أشك للحظة أنها لا تريد لي (الخلاص)!

أخذني أحدُهم إلى حديقة مقابلة لمسجد المدينة، وقال لي: "فور انتهاء الصلاة، غـُص إلى داخل المسجد و(خلـِّص نفسك)"

علقتُ بتلقائية وتهجُّم:
"لا لا!
إنَّ مَن داخل المسجد مسلمون! إنهم مثلي ومثلك!"

فرد بهدوء:
"كانوا كذلك.. ولكنهم خرجوا عنـّا. ألا تودُّ أن تلحق بإخوتك؟ هيّا يا أمين"

لم أشأ أن يكون مصيري و(خلاصي) بهذه الصورة البشعة. قلتُ له:

"كيف بربِّك سأقابل ربي؟ وأنا قتلتُ نفسي في مسجدٍ وقتلتُ معي عدداً من عباده المسلمين المُصلين"

رد:
"أني أفتيكَ في هذا. قم (بخلاصك) بارك الله فيك. هيا، إنهم في التشهد الأخير.. هيا"

مشيت على مضض إلى المسجد، وحول خصري (خلاصي)، وحين هممتُ بعبور الشارع المقابل لباب المسجد، سقطُّ!

رصاصة من اليسار، اخترقت عنقي، سقطتُّ مباشرة وغصّة الرصاصة تقضي على أنفاسي، وتستلُّ روحي شيئاً فشيئاً.

هبَّ المُصلون من المسجد لمساعدتي، المصلون الذين كنت ذاهباً للفتكِ بهم! ما أرحمكَ يا ربي! اللهم اغفر لي.. اللهم ارحمني.

لم أستطع التشهـّد! الرصاصة تمنعني، والدم المتدفّق من فمي حجزَ روحي داخلي، إني أتعذب. دارت بي الأرض، وبدأ يتلاشى كل ما أراه ويستحيل بياضاً، وأصواتهم وتلقيناتهم كان يبتعد صداها عني ويرتفع إلى وسطِ السماء.. إني لا أرى ولا أسمع شيئاً!

آه! كيف لم أدرك ذلك!
الآن فقط عرفتُ أن أبي كان قائداً مسلماً في فتح، وأن المسجد الذي وُجِّهتُ إليه لتفجير نفسي داخله كان مصلـَّوهُ مسلمين من حماس، وأنَّ الذي قتلني كان مسلماً من حماس أيضاً، وأن ذاك السِّجن هو حياتي لأني ولدتُّ فلسطينياً!

تذكرتُ كلمات أختي، وأدركتُ أن أبي وإخواني قتلهم الصهاينة وماتوا شهداء، لأنهم قاتلوهم..

أما أنا.. !

ذرفتُ دمعة (الخلاص)
.. ومِت.

تعليقات

  1. إتحاد المدونين العرب - Arabic Bloggers Union قال:
    يونيو 30th, 2007 at 30 يونيو 2007 3:08 م

    الدعوة إلى إنتخابات الهيئة الإدارية لإتحاد المدونين العرب للعام 2007م

    بناءاَ على المبادرة التأسيسية لإتحاد المدونين العرب وأحكام القانون الأساسي لإتحاد المدونين العرب لعام 2007م المادة 15/4 وأحكام اللائحة الإجرائية الخاصة بإنتخابات الرئيس والهيئة الإدارية لإتحاد المدونين العرب يقرر الرئيس العام لإتحاد المدونين العرب ما يلي:

    أولاً: دعوة أعضاء إتحاد المدونين العرب المسجلين بين الفترة 5-9-2006م إلى مساء 21/6/2007م الذين تنطبق عليهم المادة رقم25/5 والمادة رقم 26/5 إلى إنتخاب الهيئة الإدارية لإتحاد المدونين العرب في الفترة من صباح يوم السبت 7-7-2007م إلى مساء يوم الجمعة 13-7-2007م الساعة الـ 12 بتوقيت مكتوب.

    ثانياً: دعوة أعضاء إتحاد المدونين العرب الذين مضى على إنشاء مدوناتهم ستة اشهرعلى الأقل أو حققت مدوناتهم عدد الثلاثة الأف وخمسمائة زائر إلى الترشح وباقي أعضاء الإتحاد للتصويت لإختيار تسعة أعضاء هم أعضاء الهيئة الإدارية لإتحاد المدونين العرب.

    ثالثاً : تحديد فترة تقديم طلب الترشح لعضوية الهيئة الإدارية وخوض الإنتخابات في الفترة من 22-6-2007م إلى مساء يوم 5-7-2007م ويجب أن يحتوي طلب الترشح إسم المدون الصريح أو المستعار ورابط مدونته ودولته وعدد زوار مدونته عند تقديم الطلب وتاريخ بدء المدونة ويعتبر كل طلب لا يحتوي أحد هذه النقاط لاغياً .

    رابعاً: تشكيل هيئة للإشراف على الإنتخابات مكونة من خمسة إلى تسعة أعضاء من غير الأعضاء المرشحين للإنتخابات مع مراعاة المادة رقم 32 القاضية بإشراك الرئيس العام السابق والمقررالعام السابق للإتحاد في عضوية هذه الهيئة أو من ينوب عنهما. وذلك في مدة أقصاها يوم الإربعاء 4-7-2007م.

    خامساً:تخصيص البريد الإلكتروني التالي الخاص بالإتحاد

    arabictadwin2@maktoob.com

    لتسلم التصويتات لغير مدونات مكتوب مراعاة للمادة رقم 29. ويكتفى بالتصويت عبر التعليق المثبت بتسجيل الدخول الموثق عبر مدونات موقع ” مكتوب ” لهذه الفئة مراعاة للمادة رقم 29 والمادة رقم 30 .

    سادساً:يحق لكل عضو التصويت بصوت واحد لكل مرشح على أن لا يتجاوز عدد تصويتاته على الأكثرعدد مقاعد الهيئة الإدارية التسعة ودون تكرار منح الصوت الواحد لذات المرشح ويعتبر أي تصويت يحمل أكثر من الرقم 9 أو أكثر من صوت لذات المرشح الواحدلاغياً فيما يقبل أي تصويت يحوي عددا من التصويتات من الرقم 1-9 :

    سابعاً: يصدر الإتحاد قائمة هيئة الإشراف على الإنتخابات في مساء يوم 4-7-2007م وقائمة الأعضاء المرشحين في مساء يوم 5-7-2007م.

    ثامناً: تصدرالهيئة المشرفة على الإنتخابات نتائجها خلال ثلاثة أيام كحد أقصى من تاريخ إنتهاء العملية الإنتخابية.

    تاسعاً: تقبل الإعتراضات على نتائج الإنتخابات خلال مدة لا تزيد عن الشهر من تاريخ الإعلان عنها وعبر البريد الإلكتروني المخصص للإنتخابات حصرياً.

    عاشراً: إن الرئيس العام لإتحاد المدونين العرب ليتوجه بالشكر الجزيل للزميل المدون يحيى أوهيبة على جهوده لتعديل شعار الإتحاد ويحيل الملف للهيئة الإدارية القادمة للبت فيه.

    الحادي عشر: إن الرئيس العام لإتحاد المدونين العرب ليتوجه بالشكر والتقدير لكل من ساهم في تأسيس ونجاح الفترة المؤقتة للهيئة الإدارية للإتحاد وكذلك كل من ساهم في تطوير ودفع عملية التدوين العربي ويحيل للهيئة الإدارية القادمة ملف تكريم عدد منهم من أعضاء الإتحاد وسائر المدونين العرب.

    الثاني عشر: إن الرئيس العام لإتحاد المدونين العرب ليتوجه بالشكر والتقدير لأعضاء الهيئة الفخرية للإتحاد وأعضاء الهيئة الإدارية المؤقتة والمقرر العام للإتحاد المؤسس الأستاذ عبد الحق هقي والمشرف العام على موقع الإتحاد الاستاذ سعيد بن جبلي و أعضاء الإتحاد على ما بذلوه من جهد ووقت في سيبل نجاح الإتحاد.

    الثالث عشر: إن الرئيس العام لإتحاد المدونين العرب يتوجه بالشكر الجزيل لكل المواقع والمنتديات الإعلامية ووسائل الإعلام الورقية والإلكترونية التي ساندت الإتحاد في الفترة الماضية ويخص الاستاذ سميح طوقان وموقع مكتوب الكريم بذلك.

    الرابع عشر:يتمنى إتحاد المدونين العرب على جميع أعضاءه ومحبيه والمدونين العرب ورجال الصحافة والإعلام تغطية العملية الإنتخابية الإفتراضية الأولى والعمل على إنجاحها ونتوجه جميعاً لله العلي القدير بالحمد والثناء والدعاء أن يكلل الله جهدنا بالنجاح ومسيرتنا بالإنجاز والله من وراء القصد.

    دمتم ودام إتحادكم

    إتحاد المدونين العرب

    الرئيس العام لإتحاد المدونين العرب

    د.محمد شادي كسكين

    في 21-6-2007م

    ردحذف

إرسال تعليق