ربع تولة مسك!



في 16 أكتوبر 2008 الساعة: 18:15 م

على اختلاف المكان والزمان، تختلف القيَم والشيَم، ويتباين هذا الاختلاف أكثر، وتحتد ملاحظته في المجتمعات المختلطة، كمجتمعات المدن الكبيرة متعددة الجنسيات والثقافات، المجتمعات التي انشغل أناسها بالمادية، ومواكبة الموضات والتحسينات الظاهرية، مناقضة بذلك مجتمع المدينة المنورة الذي نشأت فيه، وشربت خصاله مع الحليب.

يشيع عن أهل المدينة طيبتهم، وصفاء سريرتهم، وهذا فخر ليس بالهين ولا بالقليل، والحفاظ عليه أهم من الرقص على وقع ثنائه في الآذان والوجدان.

ففي أبسط صور هذا الاختلاف، يتجلى حس التآخي والود، دون سابق معرفة أو لقاء، كأن تسمح لأحدهم بالمرور من أمام سيارتك راجلاً أو راكباً فيسلم عليك مبتسماً ومعبراً عن شكره. إنك لن تجد مثل هذه المُثل إلا فيما ندر في مدينة أخرى سوى المنوّرة. وكذلك السلام دون معرفة، والإيثار في صفوف البنوك والدخول من الأبواب والتقديم لصفوف الصلاة، إلى غير ذلك.

ما جعلني أهتم بهذا الأمر وأتأمل حُسنه ما حدث لي قبل أيام في هذا الشهر المبارك، حين انتهيت من صلاة الفجر في مسجد قباء، خلف الإمام الشيخ محمد خليل ذا الصوت الشذي العذب، وأثناء مروري بين الباعة الصادحين بأسعار وأصناف بضاعاتهم، استوقفني بائع عطور شرقية أراه كل يوم في ذات المكان، فساقني الفضول حينها لأمر على ما يبيع، وفجأة وقف إلى جانبي شاب تسبقه ابتسامة مزوحة. سألني الشاب عن رأيي بأحد العطور، وأردف سؤله بأن أساعده في انتقاء عطر مناسب للذهاب إلى الحرم والمساجد، فأشرت عليه بأحد أنواع المسك الذي أعجبني. ودون تردد، طلب من البائع أن يعطيه ربعي تولة (التولة هي قارورة قياس العطر الشرقي)، وأهداني ربعاً بعد أن أصرَّ عليَّ أن يدفع هو قيمتها!

قبلت الهدية الجميلة، ومن شخص لم أره في حياتي! فأي طيبة كطيبة أهلك يا طيبة، وأي مكان في الدنيا يهدي فيه المشترون من جاورهم مثل ما اختاروا لأنفسهم دون سابق معرفة؟

لله درّك يا مدينة الكرم، يا مدينة خير الأنام، صلى الله عليه وعلى آله.

تعليقات

  1. ayaneeq قال:
    أكتوبر 18th, 2008 at 18 أكتوبر 2008 3:39 ص

    اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد ..
    أهل المدينة هل كرم وحب وأخلاق سامية ..
    يكفي أنهم أحفاد الانصار .. وآبائهم الرعيل الأول من الصحابة ..
    ..
    إشتقنا إليك يامدينة رسول الله ..
    تحية سلام لك مع هذا الفجر الجميل ..

    شكراً محمد .. :)

    ردحذف

إرسال تعليق