ضِفــَّة الصَّمت!



في 31 أغسطس 2008 الساعة: 11:08 ص

لقد كنتُ قد قللتُ من الإمعان في القضايا السياسية، والتنبؤ بالتحرُّكات والتعزيزات الهجومية أو الدفاعية، وكذلك تأمّل الحروب الباردة أو الساخنة، والانتخابات والانقلابات والتحزُّبات، بعد أن استنتجتُ أنها مضيعة للوقت والمال. وأني، كإنسانٍ عادي، ينتمي لحزب الشارع، ويؤمن بالفعل المضارع، لن أقدِّم أو أؤخر ولو بعد حين.

وقبل أيام، قال لي صديق عزيز، وطبيب في القوات المسلحة السعودية، بعد أن استرسلتُ في سردِ مشكلاتنا اليومية، كمواطنين سعوديين: لا تتعب نفسك، فالحديث في هذه الأمور لا ينتهي. ولا أدري هل قالها لأنه ضابط، ولا يودُّ ضبطي، أم لأنه عاجز عن كبح جماح ثرثرتي.

خلصتُ بعد تأملات قصيرة المدى، إلى انعدام الفائدة من الشكاية والنواح، على ما لا أستطيع تغييره بجوانحي ولساني، ولأترك لقلبي اليقِظ العَنان لتغيير الكائن والذي سيكون، ولأنهجَ منهجَ الغريب الذي يطلبُ الكفاف، والعفة في مكانٍ وُجدَ فيه ليُسعِد ويَسعَد.

قد يصفني الثوريون بالخائن، والوجوديون بالبائس، والحقوقيون بالعائب، بعد هذا الجُنوح إلى الصمت، وليكن! فالثورة هي الثورة على النفس، والوجود هو الله، والحق هو حق الدنيا عليّ، وحق الآخرة مني. ذاكَ الصَّمتُ، إنه الضِّفة التي احتضنتني، وآلت عليّ إلا التناجي مع تلك الروح الغالية، وتحقيق أقصى درجات التأمل في كل ما يدور إثر دوران الأرض، ويثور إثر ثوران البراكين، ويسكُن إثر سكون الرياح.
إنه التوازن بكل صوره، والمنطق بكل أشكاله، إنه: (ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأكَ لم يكن ليصيبك)، ومشاكلة ذلك بحكمة نبوية فريدة: (لا يرد القدر إلا الدُّعاء)، فيكون الوقوف الشفاف بين جبلي التخيير والتسيير، في وادي الإيمان العميق بحُب الله لعُبَّادِه المطيعين، ذاك الوادي الذي يطردُ عنه كل ذي نفسٍ سحيقة القرار، فارغة الأغوار، لا تسمع عنها إلا جلبة وقرقعة.

إنها ضِفة التصالـُح مع الحكومات والمحكومات، والناس بكل الأجناس، بكل النواميس، بكل القواميس، بكل القرابات والغرابات.

ورمضان، يا له من شهر عظيم! يا له من رحلة تهذيب ممتع، تـُقتل فيه أوامر النفس الخطـَّاءة رحمة بها، وينقشع عن الأنفس البيضاء فيه الرَّانُ تلوَ الرَّان، لتستوي على كفتي الاتزان الوجداني المبارك.

يا بيضَ القلوب، أنتم بخير، أنتم من أهل الرَّيان
.. عسانا يا ربِّ منهم

تعليقات

  1. بــ ع ــثــ ر هـ قال:
    سبتمبر 2nd, 2008 at 2 سبتمبر 2008 4:12 م

    محمد … قد يكون الصمت .. أستراحة محارب … لآ اعتقد مثلكـ

    يركن الى الصمت طويلاً … لا عليك من الوجوديين ولا الثوريين

    فهم ينتقدون كل من لا يشبههم فلتكن أنت … ولتبني ثورتكـ

    على ما تراهـ لا على ما يرونه

    سعيد انا بوجودي هنا

    أخوكـ بعثرهـ

    ردحذف

إرسال تعليق