نقطة الفـَناء



في 2 ديسمبر 2008 الساعة: 10:04 ص

من الطبيعي جداً أن نخسر لكي نربح! وأحياناً تكون الخسارة أكبر من الرِّبح، كأن نخسر حياتنا في غمرة نشوة عارمة، ثارت وهدأت في ثوان، وهنا سنوصف بالنـَّحس والخيبة. وأحياناً يكون الرِّبح أكبر من الخسارة، كأن نخسر حياتنا في سبيل أهدافٍ نبيلة راقية، وهنا سنوصف بالبطولية والإقدام.

تختلف الأوصاف على اختلاف الغايات، لا الوسائل! وهنا يأتي الدور الكبير للنوايا، ولا أعلم بالنوايا إلا خالقها. إلا أن البشر دأبوا على إطلاق الأوصاف بما يتفق مع أهوائهم، فالغانية الداعرة ترى المؤذن المتقاعِس مِثالاً للولاء الديني، والنائبة العابدة تراه عاصياً خذله إيمانه الضعيف، فاغتر بالنوم عن الأذان لبعض الصلوات!

وهكذا تـُطلق الأحكام وتـُبرَّر بما نحن عليه، شِئنا أم أبينا، إلا إذا استطعنا الوصول إلى نقطة الفـَنـَاء، النقطة التي بدأنا منها وسننتهي إليها. فهل سنستطيع الوصول إليها قبل أن يحين موعد رحيلنا إلى الحياة الآخرة؟ نعم! إذا تأمـَّلنا وجود الإنسان، وسَبَرنا وحل أخطائه، وقللنا مِن أهمية الانعكاسات السرابية التي نراها أحياناً في أناسٍ من حولنا، وإذا غرقنا في اختلافاتنا التي لا تنتهي. عندها سيسوقنا إيماننا بالتعددية الأخلاقية إلى تلك النقطة، نقطة الفـَنـَاء، ونقف بذهولٍ على متنها، حين تمرُّ أمامنا مشاهِد فاضِحة لنفاقنا الاجتماعي، وعاداتنا التي أخذنا نعبدُ بها الله، وسوء إدارتنا لحواراتنا، وحياتنا.

إنها لحظات! لـَن تتعدى وقت غـُدوِّ موجة بحرية ورَوحتها، نـُلفِت فيها قلبنا إلى ما عَقِله عقلنا فوق تلك النقطة، كأن تـَغمـِس الخبز في أعز أطباقكِ إلى معدتكِ، آخذاً به إلى فمك بعد رحلة تلهـُّف، منهياً مرحلة شوقٍ عظيم، تـُجهز عليه بيدك، وتعيد الكرَّة، وكأن اللذة لا تنتهي، وكأن النهايات لا تنتهي.

لا مُبرر لوجود نقطة الفـَنـَاء فوق كل القمم، وأسفل كل أنواع الفشل، إلا لنصعَد إليها أو نغرق لها، مُصافحين قبل كل شيء، قبل المشاهـِد الفاضحة لسَوءاتِنا، أرواحاً أسأنا لها كثيراً، متيقنين مِن أنَّ الرِّبح لن يأتي إلا مع الخسارة، وقد نخسر أعز ما نملك إذا لم ننتبه. هذا إذا لم نكن قد خسِرنا بالفعل، وبقيَت أرواحنا، ونحن في طريقنا إلى نقطة الفناء.

تعليقات