الإمارات والإرهاب


دخلت مرة أحد فنادق دبي الفخمة، وتخاطر إلي: أين الحواجز الاسمنتية، ورجال الأمن، وسيارة القوات المسحلة، أسوة بالفنادق الفخمة ومجمعات الأجانب السكنية في السعودية؟ لماذا تخلو الإمارات من هذه الظاهرة، بينما هي تبالغ في تشويه جمال أفخم فنادق المدن الرئيسية في معظم دول العالم العربي؟ وكانت الإجابة التلقائية: الخوف من العمليات الإرهابية.


ولن آتي بجديد إن قلت إن التشدد الديني، والتفسير المنحرف لما ورد في مصادر التشريع، ومن قبلهما انعدام الحُريَّة في أبسط صورها، هي الدوافع من وراء ما يشهده العالم من إرهاب. والإمارات تكاد تكون قد خلت من هذه الدوافع، فهي لم تشهد إرهاباً كتفجير المُحيَّا بالرياض أو رعباً كالعملية الانتحارية التي حدثت في شرم الشيخ في 2006، أو سوريا أو لبنان أو حتى تركيا. فهل لا يوجد تشدد ديني أو تفسير منحرف لمصادر التشريع في الإمارات؟


نحن في السعودية اهتممنا كثيراً بالدين، ولم نهتم أكثر لتطبيق أخلاقياته. اهتممنا بالعموميات، ولم نتوقف عند المعاني والحِكَم، رصدنا المليارات للحرمين وعمارتهما، ولم نقدم الكثير لمحاربة الفساد وتشديد الرقابة، وتطبيق المساواة في الفرص المعيشية، ولم تستوقفنا معاني الحرية الفردية في التعبير والاختيار والتوجُّه، مما فاقم عدة عوامل منها البطالة والفراغ والشعور بالظلم، فظهرت تلك الثلة التي أثرت وتأثرت، وتمردت على كل شيء، فأوهِمَت بحورية بدل الزوجة، وبجنة عرضها السموات والأرض بدل الحياة الدنيا المتعبة، إن أفنت عمرها في قتل الكُفار، بمفهوم للجهاد يختلف تماماً عن الذي عرَّفه لنا الدين الحق "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين" الممتحنة (8).


وفي بقية الدول العربية تسيَّس الدين، وأصبحت له أحزاب وتجمُّعات، فأصبح المنتمي للإخوان ديني، والآخر لا ديني، والعضو في حماس مُقاوِم، والآخر ليس بمقاوِم، والمحسوب على العدالة والتنمية التركي عدلٌ ومُنمِّ، وغيره لا يعرف عدلاً ولا تنمية، وحين يُسيَّس الدين يُصبح غريباً، فالهدف يتحوَّل من العبادة إلى الفوز، ومن علاقة بالرَّب إلى حملات انتخابية واستفتاءات، فتتغير المفاهيم وتختلط، فالأهداف دُنيوية ترتدي نية الآخرة، في حين أن الدين جاء أممياً لا حزبياً، ومجتمعياً لا فردياً، يؤمن بالاختلاف وبالتعدد والقناعات.


الإمارات، رغم حُكم القبيلة، ودون وجود حاكم منتخبٍ أو برلمانٍ أو مجلس للشورى، أعتبر أنها دشنت تجربة تاريخية للحكم في العالم العربي، فالحُكَّام فيها، ورغم تتطابق ظروف وصولهم للكرسي، أسوة ببقية دول الخليج، إلا أن الإمارات ذادت دون حياض حرية الفرد وتحقيق المساواة واحترام الإنسان، المواطن والمقيم، فلم تكبِت ولم تقمع ولم تتدخل في الشؤون الخاصة، وضربت بقوة على كل من ينال من أي حُرمة من حرمات الفرد، وأسهبت في مدَّ حبال الثقة بين السلطة والقاطنين، فلم تشغل من على أرضها بالتقوقع لتأسيس جماعة سرية أو صُحبة ناقمة أو ثلة مُنْبَرِيَة، بل تركت لهم خيارات المقارنة مفتوحة، وحُقت المقارنة هنا: فلا فرق يُذكر، من ناحية حقوق الفرد، بين دولة ما، الحكم فيها ديموقراطي، ودولة الإمارات.

تعليقات

  1. أوافقك الرأي في كثير مما قلته
    دولة الإمارات من أروع الدول الخليجية برأيي
    رغم وجود بعض الملحوظات عليها ولكن تجربتهم في
    تحقيق العدالة الإجتماعية للجميع مبهرة ويحسدون عليها
    شكرًا لك

    ردحذف

إرسال تعليق