السعودية: قانون يعتمد على "الفَرَاسة" يمنع الشباب من دخول "المولات" والمراكز التجارية

جدة - محمد جمال

ربما لا يعرف الكثيرون أن الشاب الأعزب في السعودية، وعلى غير هدي كل دول العالم، محروم من دخول "المولات" والمجمعات التجارية، إلا برفقة عائلة، أو "أنثى" إن أردنا الدقة، على أن يلتزم بزيٍّ محتشم لا يُظهر ساقيه أو ذراعيه، خصوصاً في الأوقات التي تعتبرها إدارات المولات "أوقات ذروة" التسوق العائلي، كعُطَلِ نهاية الأسبوع أو الأعياد أو الإجازات الرسمية.

ويُعد هذا القانون الذي "لم تفرضه الدولة"، ولم تأمر به الشرطة أو تقره هيئة حكومية كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سائداً في جميع مناطق المملكة، رغم الاختلاف النسبي لأطر تطبيقه وفقاً لطبيعة عادات المنطقة، ودرجة محافظة قاطنيها من المواطنين.

سيماهم في وجوههم

شباب سعوديين تم منعهم من الدخول
شباب سعوديين تم منعهم من الدخول

"لدينا أوامر بمنع الشباب من دخول المول لدرء مضايقات البنات والإزعاج"، هكذا برر رجل الأمن محمد. ب الذي يعمل في مركز تجاري كبير في جدة الأمر لـ"العربية.نت"، مستدركاً: "ليس جميع الشباب هكذا، ولكن هناك فئة نعرفها من هيئتها، يجب أن نمنعهم".

ويضيف: "لكننا تأكدنا مع مرور الوقت أن البنات هن من يدفعن الشباب إلى المضايقة، ولكننا لا نستطيع منع البنات من دخول المركز، يصعب أن نقول لفتاة: أخرجي من المركز، فصرنا نمنع الشباب".

ويؤكد محمد: "الأمر نسبي، فسيماهم في وجوههم، نحن لا نمنع الجميع، والبعض نقول له: تفضل. فليس هناك قانون يُعمَّم على كافة شرائح المجتمع، إنها عملية نسبية، مما يسبب لنا إحراجاً في بعض الأحيان".

ويضيف محمد لـ"العربية.نت": "الشاب السعودي صار حسَّاساً، وبعضهم يستاء كثيراً إن منعناه إلى درجة التباكي، ويقول: "لماذا؟ أنا سعودي مثلك.. أين أذهب؟ في كل مكان يمنعوني من الدخول ويقولون المكان مخصص للعائلات"، ولكني عبد مأمور هنا، وأنفذ تعليمات رؤسائي في شركة الأمن وإدارة المركز".

"المول" ملكية خاصة وليست عامة

مجمع تجاري في السعودية
مجمع تجاري في السعودية

من جهته، أكَّد عبدالله مشغان، مدير مركز الأندلس التجاري، أنه ليس هناك توجيه بمنع الشباب من دخول المراكز التجارية من أي جهة حكومية، وقال لـ"العربية.نت": "المول يُعامَل كملكية خاصة وليست عامة، وغالباً ما تمنع إدارات المراكز أو تسمح بدخول الشباب بناء على حجم المشاكل التي يُحدثونها في أوقات معينة في الأسبوع".

ويستطرد: "ليس هناك منع بالمفهوم الكامل لهذه الكلمة، فـ"الشكل والهيئة والسِّن" تحدد ذلك، وهذا ما يُؤخذ بعين الاعتبار"، مضيفاً: "عندما يكون عندي فعاليات تنفع الشباب سأسمح بدخولهم طوال الوقت".

ويذكر مشغان أن هناك بعض الشكاوي تأتيهم من العائلات وأربابها بأنهم يتعرضون لمضايقات، خصوصاً أن بعض العوائل تترك بناتها يتسوقن وحدهن، بينما هم يخرجون من المركز لقضاء حوائج أخرى.

ويقول: "لماذا أسمح للشباب مُطلقاً، بينما في المركز الذي أديره هناك ثلاث أو أربعة محلات فقط تخدم الشباب؟ فالشريحة التي يستهدفها المول ليست شريحة الشباب". ويُرجع مشغان سبب منع الشباب من دخول منطقة المطاعم - مثلاً - إلى العادات والتقاليد، ومطالبة العائلات بمنع دخول الشباب بسبب المضايقات.

ويؤكد مشغان في حديثه لـ"العربية.نت" أنه مع مبادرة إصدار قانون واضح وصارم يستطيع المول تطبيقه على كل من يسيء سلوكه بالتعاون من الجهات الحكومية المختصة، ويقول: "وقتها سأسمح بدخول الشباب في جميع الأوقات، وسيُعاقب رجل الأمن الذي يمنع دخولهم".

وبحسب مشغان فإن الأمر سيأخذ طابعاً اجتماعياً وقتها، لأن الشباب ليس لهم متنفس في البلد غير ملاعب كرة القدم، وليس الجميع شغوف بالرياضة. ويضيف: "البعض لديه رغبة في الجلوس في مقهى في المول ومراقبة "الرايح والجاي" وليس لدينا مانع، لكن المضايقات متى ما حصلت، هي ما يدفعنا للمنع بسبب عدم وجود قوانين رادعة".

اتركوا الناس في شؤونهم

الدكتور عبدالعزيز الدخيل
الدكتور عبدالعزيز الدخيل

من جهة أخرى، وصف أستاذ الخدمة الاجتماعية المساعد بجامعة الملك سعود، الدكتور عبدالعزيز الدخيل، منع الشباب من دخول المراكز التجارية بـ"المشكلة الاجتماعية"، وقال لـ"العربية.نت": "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، فلو وجود نظام، أسوة بالدول الأخرى، يحكم سلوكيات وأخلاقيات الأماكن العامة، وتم تطبيقه، لاستراح الشباب والفتيات وجميع الناس". ويُضيف: "اتركوا الناس في شؤونهم! وضعوا نظاماً، ومَن يسيء يُعاقب بموجبه.. ببساطة".

ويُشدد الدخيل على أنه "قد (كررها ثلاث مرات) تصدر من بعض الشباب إساءات، ولكن منع الجميع فيه تقديم لسوء النية، والمفترض أن نقدم حسن النوايا في الإسلام".

ويقول: "لنكن واقعيين، المنع ليس من إدارات المولات ولا من القائمين عليها، المنع بسبب أوامر تأتيهم من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (جهة حكومية)، وأنا أقول - والحديث للدخيل - بأنهم ما داموا متواجدين هناك، فليتابعوا الناس ويتابعوا الشباب، ومَن يُخالف عليهم بمعاقبته". ويستطرد: "القضية ليست منع السلوك السيئ بقدر ما هي احتمالات لم تقع تضعها الهيئة، وتتصرف بموجبها، وهذا العمل ليس بصحيح".

ويُفصِّل الدخيل من وجهة نظر اجتماعية: "الشباب سيندفعون إلى المولات في البداية لو فتحنا لهم المجال، بحكم تجربة كل جديد، ولكن بعد ذلك سيتم ضبط العملية بعد تطبيق نظام عقوبات صارم، ويتحوَّل مُعدَّل إقبال الشباب إلى الطبيعي كما في بقية الدول".

ويضيف: "نحن في حاجة ماسة لتعلم سلوكيات الأماكن العامة، سواءً في المولات أو في غيرها، وكذلك احترام الآداب العامة، فأكثر الدول حرية لديها قوانين وحدود للباس والهيئة التي يظهر عليها الشخص في الأماكن العامة".

ويذكر الدخيل في حواره مع "العربية.نت" أن قوانين التحرش إذا وُضِعت، وطُبِّقت بحذافيرها على الجميع، ستشكل رادعاً للمسيئين، وهذا موجود ومُجرَّب، وليس كلاماً نظرياً، فمثل هذا مطبق في دول مجاورة ودول أخرى أوربية، ويضم جميع أنواع التحرش، سواء الجسدي أو اللفظي أو حتى إلكتروني.

أما فرز الشباب الذين يدخلون المولات، فهو بنظر الدخيل "تُثير التمرُّد"، ويقول: "التفرقة في التعامل مع السعودي وغير السعودي هي مشكلة حقيقية، فالشاب السعودي وقتها سيتساءل: "لماذا أنا أُمنع لأني سعودي، بينما غيري يُسمح له الجلوس في أماكن مُعينة - مثلاً - أو دخول المولات؟" هذا بالتأكيد له أثر عكسي يؤدي إلى التمرُّد، وليس عدلاً البتة".

التحايُل بغرض دخول المول

المُلفت، وبحسب جولة "العربية.نت" أن الشباب في مدينة كجدة - على سبيل المثال - يُسمح لهم بدخول "المولات" في أيام الأسبوع، ويُمنعون من صباح يوم الأربعاء، وحتى مساء الجمعة. لكن المُلفت أكثر أنَّ رجال أمن المراكز التجارية، المخوَّلين بتطبيق هذا القانون، يستثنون بمزاجيتهم، من تبدو عليه الملامح الغربية أو الآسيوية، أو الذين تظهر عليهم إمارات التديُّن أو الدَّمامة أو الإعاقة، بحيثُ لا يُرجى أن يُغازِلون أو يُغازَلون، في مجمل الظروف.

ولم يعُد مستغرباً أن تشاهد تجمعاً للشباب أمام مدخل من مداخل تجمع تجاري، يتحايلون على رجال أمنه، ويتذللون إليهم في معظم الأوقات، علهم يتكرمون عليهم بـ"ثغرة أمنية" تمنحهم حق الولوج إلى حرم المُجمَّع، لغرض التسوق أو التنزه أو "المغازلة"، بحسب الاعتقاد السائد عند إدارات "المولات" التي تمتلك الحق الكامل في تطبيق هذا القانون في الأوقات التي تراها، وبالطريقة التي تراها، معتمدة في أغلب الأوقات على "فَرَاسة لم يُدرَّب عليها" منسوبي شركة الأمن المتعاقد معها، والتي من واجبها المحافظة على أمن المكان ونظامه، بأي طريقة، حتى وإن لم تكن عادلة.

تعليقات