حتى نبلغ الانتشاء!


 لا شيء أكثر تعقيداً من الخوض في النوايا! ورغم هذا التعقيد، في التحليل والاستنباط والتقرير، إلا أنه سهَّل علينا الإساءة كثيراً، واختصر علينا الوقت حتى نبلغ الانتشاء. إنه جهد قليل نبذله، ينتج عنه تأثير قد يبلغ مداه الآفاق، وبلمسة قد تكون ذكية، سنظهر مدى قداستنا حين يتعلق الأمر باستقصاد عيوب غيرنا.

ولنتمادى أكثر، نحنُ نُصرُّ على أن لكل شيء سبب وغاية وهدف ونقطة وصول، كل كل شيء، من باب التذاكي لا أكثر، وليذهب كل ظاهر نراه بأمِّ أبناء خالة أعيننا، إلى الجحيم.

الحقيقة أنك إن أخذت الأمور على ما يظهر منها، ونمت، ستستيقظ أرنباً أو قطاً دون شوارب. هذا هو ميثاق البقاء الذي يُبقينا فطنين لكل نملة تدب حولنا، ما الذي جاء بها؟ ماذا تخفي في رأسها الصغير؟ يبدو أنها تعرج! إنها تستثير عواطفنا! بالتأكيد هي مؤامرة دنيئة لتجريد بيوت الحي من الطعام.

ويجب أن نشدد على أنه لا فرق بين السياسة، والرياضة، والعلاقات الاجتماعية، والمظاهر الدينية، والحمامة التي تهدل عند نوافذنا، وسقوط عملة معدنية منا في بالوعة للصرف الصحي؛ فكل شيء خلفه وأمامه وفوقه وتحته تحوم عشرات الذرَّات المليئة بالنوايا التي من واجبنا الخوض فيها، فالتحليل السياسي ليس بأحسن حال من تحليلنا لطريقة مصافحة أحدهم لنا، وإذا كان أحمدي نجاد سيء النية بناءً على مُعطيات، فإن صديقك قد يكون سيء النية كذلك، ولكن دون معطيات، لأنك ذكي، وتستطيع قراءة أفكاره قبل أن يُفكر بها.

لقد ارتكبوا خطأ فادحاً حين قالوا "البعرة تدل على البعير"، بل دوران الأرض حول نفسها هو ما يدل على البعير؛ فالأرض لو لم تكن تدور حول نفسها لما نبت ما يُغذي البعير، فالزرع يموت دون تعاقب الليل والنهار، وبالتالي وجوده يُبقي البعير موجوداً.

التفسيرات إن لم تكن صاخبة العُمق والدهاء، لا داعي لوجودها ولا لنشرها، حتى لو كان تفسيرها مبني على الإحساس، حيث الإحساس له وضعه الحسَّاس، وإلا لَما زُجَّ به في نفوسنا.

يجب أن تـُقام حملة عالمية لرد الاعتبار للإحساس؛ فالإحساس بعدم صدق "توبة كشغري" يجب أن يُحترم، وكذلك الإحساس بسوء سريرة ونوايا أي مسلمة غير مُحجَّبة، والإحساس بأن ما أقوله هنا ليس هذياناً ولا نضحٌ لإناء.. يجب أن يحنَّط هو الآخر.

تعليقات

إرسال تعليق