بعد أن أقلعت الطائرة، واستوت فوق غبار الرياض، بدا لفيصل أن رحلته هذه ستكون أهم ما سيفعله في حياته، وتذكر آخر ما رددته أمه حين قرَّبته إلى قلبها أمام باب المنزل، واضعة شيئاً في جيبه الأيمن: "فيصل.. كُن جميلاً دائماً، قلباً وقالباً، فالجميلون فقط هم الذين يُذكرون بالحُسنى حين يغيبون".
غشى عقل فيصل وهو مغمضاً عينيه، متردداً بين صور ذكريات حياته التي شعر أنه لن يفتقدها من حماسته لما هو مقبل عليه، انتبه لعلاقته بالجَمال، وتكريس أمه لهذه العلاقة منذ أن كان صغيراً، وتيقَّن من أنه لم يكن ليُدرك قوة هذه العلاقة إلا حين اختصرتها عليه أمه بكلماتها الأخيرة.
غفت عينُهُ دون مقاومة، ومال مستسلماً نحو النافذة. لم تمر دقيقة ونصف على هذا الاتساق حتى هز الطائرة مطب جوي، انسابت بعده رائحة جميلة داخل الطائرة، فتح عينيه على إثر ما حصل، وأخذ يتلفَّت! شعر أن الرائحة تغلغلت إلى روحه، انسابت كخيوط الشمس المتوهجة من بين غيوم أنهت لتوِّها مهمة غسل الأرض. وباضطراد، زاد فيصل من وتيرة شهيقه وزفيره، حتى لا تفُته تفاصيل الجَمال في ما أدركه بأنفه، ولم تدركه بقية حواسه!
وصلت الطائرة إلى الشارقة، حيث تم قبول فيصل في جامعتها الأمريكية، قام بسرعة، مُعتقداً أنه سيصبو إلى مصدر الرائحة الجميلة، نظر إلى الخلف حيث وقع نظره على مقاعد خالية في آخر الطائرة، فقد الأمل إلا من أحساس أخَّاذ لا يزال يتلذذ به بسبب هذه الرائحة.
ترجَّل فيصل إلى الممر ثم إلى سلَّم الطائرة، بدأ أولى خطواته في النزول نحو مستقبل جميل ينتظره..
وبقعة عطرية كبيرة تزيِّن جيبه الأيمن!
تعليقات
إرسال تعليق