نحنُ والفضاء!

ثمة علاقة سيكولوجية مريبة بين شخصياتنا الأرضية، وبين ما نحاول الظهور عليه في الفضاء.. أعني فضاء الإنترنت. وهذه العلاقة انتقائية بحتة أحياناً، وعشوائية همجية في أحايين أخرى.

ومن خلال ممارساتي الإنترنتية، مع بعض الاستقراء، وكثير من التجارب، وجدت أن الغموض هوَ السمة السائدة التي تغرق فيها الشخصيات العادية التي لم تعتد الظهور أو تملك أسباباً أخرى للتعتيم على حقيقتها، مثل أنها معروفة وتتمثل بقناع يقتضي ملء فراغٍ داخلي أحدثته الأحداث الأرضية.

الانتقائية التي أشرت إليها تعني حب الظهور بانتقائية، وذلك بأن ينتقي الشخص بضعة خِصال من ذاته أو من ذواتٍ أخرى تعجبه، فيتطبّعها ويعامل المجتمع الفضائي بمقتضاها.

والحق يُقال، إن الخلل المعيشي والمفاجعات الأرضية اللذان يحياهما الناس هوَ سبب هذه التناقضات في الظهور، فبعضهم يهوى أن يكون قائداً ولم يتيسر له ذلك أرضياً، فتراه يقاتل ويعافر كي يقتاد ثلة من المرتادين للفضاء، وكذلك المنتكس اقتصادياً بسبب صفقة أسهم فاشلة، يتملّق ويستلّق كل حاجز يثنيه عن الإشراف على منتدى اقتصاديّ أو قسمٍ ماليّ.

ومِن أدلّ الدلائل على هذا الخلل، تلك الفئة من الفضائيين الذين يُطلق عليهم (الهكرز)، والذين لا يألون نظاماً دفاعياً، ولا جداراً نارياً إلا ويطلقون عليه جهودهم المضنية متحَدّين بذلك – عن غير قصد – مجتمعاً عنفهم، وأقداراً كانت أكبرَ من أن يواجهوها ويوجّهوا إليها اعتزازهم بأنهم مخترقون خارقون!

وهناك مَن يتمثلون المثالية، وبأنهم آباء روحيين موجودين لخدمة الإنسانية والمناداة بضرورة تدشين المدينة الفاضلة فضائياً، في حين أن جهودهم الأرضية لا تتجاوز حدود أجسادهم والأقلية المُعجَبة التي تستمع لهم.

وهناك….، وهناك….، وهناك..

أعلم وأقرّ بأن الحرية الشخصية تستدعي وقف دَرّي، وتهميش إقراري وقرّي، ولكني – شخصياً – أستوقف المُتَخفـّين والمقنّعين والمتمردين لأن يتأملوا معي هذا الخلل، وكيف أنهم لو يحاولوا تسخير مواهبهم للظهور بها (أرضياً) كما (فضائياً)، وذلك ببعض التعديلات في محرّكات الدوافع الكامنة تحت قشرة الدماغ، فننشق عن هذه الرّيب إلا اللاريب، وننطلق إلى الواقع المحفوف بالمحبطات والمثبطات، فنفيد أناساً كـُثراً يحتاجون قدراتنا لمواجهة ما جَعلنا نتنحى ونختارُ الفضاء.

تعليقات