الفقاعات اللغوية!

“أحبكِ..
كما تحب الطيور وقعَ القطارات
وكما تأنف الغيوم
من نكهة الأسنان الشرسة
فلا تغادري سيجارتي
فالمحارة التي تعيش فيها الزرافات
تتيه في الشبق
في الغابات
وتنقلب إلى زيزفونات”


عذراً!
فهناك مَن يقرأ ما سبق، ويقول أنه إبداع! ويقول أن صاحبه روّض وحشية الكلمات، فغدت كالزهرات الزكيات. وهذا هوَ ما يدّعي البعض أنه انفلاتٌ لغوي عصري، ويكاد يتفق عشاق هذا الفن - الذي لا يُفهم - بأنه ثورة تجديدية على عصر الشعر العربي الديناصوري، وأساليب الأدب العربية الأخرى كالخطابات والرسائل والنثريات المنمّقات.

إنّ الفن لدى نابعي وناهلي هذه الضروب من العشوائية اللفظية، يكمن في المبالغة في إحارة القارئ بين عدة تفاسير للجُمل المنساقة بتفاوتات تامة في كل شيء إلا في الإبهام! حتى أن أحد المُهذين بهذه الفقاعات اللغوية قد أخطأ بأنه فسّر لي أحد جُملِهِ بطريقة، وبعد عدة أيام فسّرها لغيري بطريقة أخرى مختلفة تماماً.

أعلم أن العصر تغيّر، فكلّ شيء من حولنا يظن أنه في سباق أولمبي لاختراق الضاحية. ولكن، أيُعقل أن نتغير لدرجة أنا نكتب كلاماً لا نعرف له تفسيراً؟ بل هل الربط اللا منطقي بين التعابير المختلفة يُعد سطوة وسبقاً لغويين أدبيين؟ أكاد أجزم بأنه: لا.

هناك ذكاء لغويّ، أنا أقرّ بهذا، وهناك الخيال الخصب، والغزارة اللفظية، والأساليب الكتابية المختلفة. ولكن، كل هذا يسمو باستخدامٍ معقولٍ متسلسلٍ منطقيٍ، وليس بطريقة القص العشوائي، واللصق الضوضائي، بعدائية تامة للحُسن اللغوي، وي كأني في أرض معركة، وأود قتل من ألقاه أمامي بأي وسيلة كانت!

أنا لستُ من دعاة العودة إلى الماضي، ولكن لنتقدّم إلى غدنا بطريقة لغوية أدبية طيبة ومثالية، حتى لا يظن مدّعي الذوق بأن لغتنا العظيمة.. قد ماتت، قبل أن تكون سقيمة.

تعليقات