إن التطوُّر (الإرادي) من سِمات الإنسان، وهو سِمة ترتبط أول ما ترتبط بالفكر الذي يُغذي كل شيء، فتـُراه تحوَّل من طورٍ إلى طورٍ، ومن طبقٍ إلى طبقٍ، قناعة منه بأن التغيير ما وقع إلا لأنه الأفضل.والعجيب أن كلمة "تطوُّر" بمعناها اللغوي تعني: التحول من طورٍ إلى طور، و"الطـَّور": هو المرَّة والتارة والحالة والمرحلة. وكل معاني "الطُّور" كما نلاحظ مبهمة! فهي لا تقصد التحول إلى الأفضل ولا تنفيه! فالتطوُّر لا يعني – بأي حال – التحوُّل - مطلقاً بمقاييس كل الناس - إلى الأفضل، بل هو نظرية تحتمل كل التوجُّهات والرُّؤى، كلٌ بحسب وقعِ هذا التحول على طبعه وفِكره وحياته.
والذي لا يتطوَّر كالذي يحافظ على حجم مخه منذ لحظة ولادته، ولهذا تـُراني أعتب على المثل القائل: "الرجل عند كلمته!" أو الذي يقول: "خذ كلمة رجل!". يظهر أنَّ المأمول من هذه الأمثال استثارة الثبات على الوعد وعدم التراجع عن العهد، ولكني أضع اصبعي هنا على الذي لا يَقبل حتى أن يغير الرجل كلمته إلى الحق أو الأفضل أو رأي أسدُّ وأصوب!
وإني لأعتب أكثر على الذي يذكر التاريخ أكثر من ذكره لله! فتـُراه يرى الماضي معلقاً على شحوم آذان الناس، فيَحاجُّ به، ويُجادِل عليه، وي كأن الناس لا تتغير، وإن تغيَّرت لا يحق لها أن تتراجع عن سابق فِكرها مهما دارت الأرض!
وبهذه الأيدلوجية يهاجم الكثيرون أي شخصٍ تطوَّر، مفكراً أو داعية أو مُنـَظـِّراً أو شخصً عادياً، حادَ ثم عاد، أو أمعَن ثم تسطـَّح، أو ركِبَ طبقاً عن طبقٍ دون إفراطٍ أو تفريط. فهؤلاء - أي المهاجمون - هم الذين يرون أنَّ للثبات قدسية، ولو على حِساب كل الفضائل والمُثل الإنسانية، فيبقون على الإنطباع الأول، يُغنون على طللٍ لم يبقَ منه إلاّ رائحة خانقة، تخلـَّفت عن اللحاق بالعقل الإنساني الباحث دوماً عن الحكمة، والطَّورِ الأفضل.
