التقاليد!


كلمة "تقاليد" التي يعرفها كلنا، رغم دلالتها الواضحة، إلا أنها تثير فيّ الحنق! لماذا نحن مُضطرون إلى صَبّ شخصياتنا في قوالب هذه "التقاليد" التي تـصهرنا في فرن "العادات" لنخرج نسخاً أخرى على شاكلة كل من حولنا في المجتمع الذي نعيشه!

"هذا؟ ما يصير!"

و"هذا ليس من عاداتنا!"

وهذا "خروج عن تقاليدنا!"

أنا لا أدعو البتة بالانسلاخ عن بعض المسلّمات التي لا سعادة ولا سؤدد لنا إلا بها كما يظن فيَّ البعض، ولكني أتساءل: ماذا عن "التقاليد" التي ليس لها مُبرر!

لقد علّمنا اللهُ جلّ شأنه بأن لكل شيء حكمة، في ديننا، وفي طبيعتنا، وفي كل صغير وكبير من حولنا. بل أني أذكر أني قرأت كتاباً يذكر 100 حكمة وفائدة من خلق البعوض!

حسناً! ماذا عن تلكم التوجّهات البائسة التي يُوجهنا إليها المجتمع دون حِكمٍ ولا ثمة إقناع يُفيدُ ويجعل للتوجّه جدوىً، بل ويحرّك فينا حماسة الخوض فيه؟

ماذا عن ربط مقدار نية إسعاد العروس من قِبل العريس وأهله بمقدار ما يُدفع قبل وأثناء وبعد حفل الزواج؟ وماذا عَن أن السيارة الفارهة واللوحة العريضة، هيَ ما يتحدّث عن (النِعمة) أكثر من أي شيء آخر؟ وماذا عَن تلازم (الشكل) و(العقل)، وألا شيء يدلّ على العقلانية إلا الزيّ الرسمي؟ طيب، وماذا عَن (جُرم) معرفة الفتاة قبل الزواج منها؟ و(كبيرة) مناقشة – مجرّد مناقشة – أهل الدين في آرائهم؟ و(فظاعة) الحديث عن ابتذال بعض القطاعات الحكومية؟ وماذا عن افتراش الممرّات في المستشفى إثر تنويم أحد الأقرباء؟ وماذا عَن المعاملة المَهينة للأجانب – وخصوصاً أجانب شرق آسيا – في البيوت والبقالات؟ وماذا عَن التجمهر حول الحوادث؟ وعدم الاكتفاء بنظرة واحدة، إذا مرّت قريباً منا فاتنة؟ وماذا عَن التشاؤم والإيمان العميق بأنا متخلفون مهما صَنعنا؟ وماذا عَن عدم تعوّدنا على القراءة إلا إذا كنا مجبورين؟ وماذا عن أنّ أهم ما يهمّنا ويحدد الكثير من توجّهاتنا هو التساؤل المقيت: "ماذا سيقول الناس عنا"؟ وماذا عَن عدم اكتراثنا بأداء الأمانة والوفاء بالوعود والعهود؟ وماذا عَن …… وعَن ……. وعَن…….. .

والعبادات التي أمست عادات، واهتمامنا الذي هاج وعجّ بكل فنون تطوّرات العلاقة بالجنس الآخر، حتى أصابت الجمادات حولنا عدوى التمايل والتلوّي، وخصوصاً أبراج الجوال حين تحين ساعة الصفر في منتصف الليل!

وتأتي بمعية الليل خيالات وتتاليات لا تنتهي لأسئلة المجروحين والمحرومين (يا حرام)، ويُطالعنا (مخاوي الليل) و(عاشق سماهر) و(فتى حائل) بإبداعاتهم على جدران ثانويات البنات في مختلف المُدن والمحافظات، وبعضهم قد تجاوز معاني الجُرأة، واختلف مع الكل في إمكانية الزجّ بالفنّ خلف أبواب دُور قضاء الحاجات في المحطات على الطرقات!

ومِن بعد كل كل هذا الإحساس المفعم بأنا نحن العَرب نعيش حالة مِن الهذيان بسبب الحُب والعشق والغرام، وذلك عبر "الفضائيّات الفاضيات" (على قول الدكتور غازي القصيبي)، وعَبر الذهول الذي يعتري معظم جيلنا حين يسمع أغنية جديدة تتحدث عن تجربته البائسة أو اليائسة مع إحداهن (أو أحدهم حتى)، أصبح لدينا العذر القاطع لأن نبقى ثالث ثلاثة تقسيمات لدول كرتنا الأرضية، التي أدعوا لها من كل قلبي أن تستمر بالدوران لأطول مدة ممكنة!

ومع أن الأغاني الجديدة أكاد أجزم أنها تتحدث عن أفكار متشابهة، بكلمات متطابقة، إلا أنّ التجديد فقط يكمن في.. تشكيلة مِن الحركات والتلميحات والرقصات لإغراء الرِّجال المساكين (والآن البنات المسكينات)، وبضعة أفكار تدور حول: كيفية التلميح إلى علاقات الأسِرَّة، دون ملاحظة الرقابات والنقابات!

ويأتي بعد كل هذا أحد الفنانين (العظيم عند الكثيرين) ليُصرّح:

"أنا ضد فكرة جمع بضعة حسنوات ليرقصن، ويلمّحن لأشياء - أستحي أن أقولها - خلفي، بينما أنا أغني، ونقول أن هذا فيديوكليب.. ولكني مُضطر لفعل هذا إرضاءً لشركة الإنتاج، والقنوات الفضائية التي باتت تتنافس في الإغراء، وكسباً لحُب ذوق الجيل الحالي الهابط".

ثم نطالع في المنتديات أن المواضيع الأكثر قراءة، ومشاركة، ووجوداً، وتثبيتاً:

- ماذا تفعل إذا قالت لكَ فتاة: أحبك!

- ماذا تقولي للمعاكس!

- ما هوَ الحب أصلاً؟

- ما الفرق بين العشق والغرام؟

- لنتشارك في كتابة أطول قصيدة حُب.

- أسرار ليلة الدخلة.

- الجنس.. تلك العلاقة القوية الضعيفة.

- هل تخرج مع واحده تعرفها.

- احذر من الهيئة!

- مَن يقول أحبك أولاً: أنتِ أم هوَ؟

.. ولا ضَير! ما دام هذا ما تأصّل ويتأصّل فينا.. ونحن نحارب لنـُخافي ونداري، ولا أدري أي غدٍ ينتظرنا، نحن أبناء:

("اخفِ ما تفعل دائماً، واظهر بكل عنفٍ أنك على "العادات والتقاليد")

تعليقات

  1. مجهول: هنا عليك ان تدافع عن التقاليد بكل قوة وفي الخارج عليك ان تضرب بتقاليدك عرض الحائط ،، تقاليد تقاليد تقاليد أكرهها اكرهها اكرهها لأنها دائما تجعلنا ننظر الى الخلف ” أعني تلك التقاليد التي تجعل من المرأة انثى عاجزة عليها ان تنظر دوما رضاء سيدها ” الرجل ” أعني تلك التقاليد التي تجعل من الزواج عقد يتفاعل فيه الأباء وليس الأبناء ……….. الخ تحياتي

    ردحذف

إرسال تعليق