نسور عصر البرونز!


منذ نعومة (أفكاري)، كانت تستهويني المفارقات. التناقضات. الأنهر التي تسير بالعكس، والشمس التي تشرق من الغرب!

و(عيال) أفكاري تبتهج، بل تتولّع بالغريب. سيلٌ عرمٍ يسير عكس تيار نهرٍ عذب هادئ رتيب. إنه انقلاب سياسي داخلي، جذوره تأصّلت في اليوم الذي عرفت فيه أني عربي. وسأموت عربياً.

إنها الظاهرة التي قال (القصيبي) عن جامعتها: "مناعة ضد الموت، وحصانة ضد التطور".

طيب، ولأكون عادياً، راضياً أو متراضياً عن واقع دوران الكرة الأرضية، يجب أن أرضخ لقوانين ليست نيوتنية ولا أنشتانية، أعني أنها ليست تجريبية. يجب أن أحيا عبداً للفلسفة التأملية. هناك رئاسة وراثية، وهناك ممالك عائلية، وهناك شركات ومؤسسات احتكارية حصرية، تقدّم لكَ ما هي تريد، وكيفما تريد.. " يا هلا بالصفر".

وهنا، الإنسان الذي يعيش في بيت السلحفاء. تدور من حوله الدوائر، وتعصف بجيرانه العواصف، وهو لا يزال يحلم بالكفاف. رغيف خبزٍ، وجمعُ كفين من ماء، وبيت فوق شجرة الحب، يجمعني بمن أحب. أكتب بها أشعاري، وأغازل بجمالها أقماري، وأسقي من ريقها أشجاري.

لا! لا وألف لا! أمجنونٌ أنت؟!. هكذا تصيح النسور من فوقي. تظن أني سأكفر. ويخال لها أن خروجي عن العبليات والقفانبكيات ضربٌ من ضروب التهجّم على المعتقدات والتقاليد. آه.. التقاليد. حتى اسمها يوحي لكَ بالتبعية والانصياع. قلّد، لتعش مستوراً، وقلّد لتعش هنيئاً، وقلّد لترضي الناس.

هكذا سوّروا بحري، وردموا جزري، وأعلنوا على بقايايَ: "لقد عاد إلى رشده، بعد أن كنا سنفقده"! يا نسور عصر البرونز، أفيقوا من استغفالكم وكفوا استغفالاتكم. فليس كل من أطاع المدير، يوافقه على قصر نظره!

وهكذا استبدلوا موهبتي الأدبية بجمل إعلانية. "خليك قدها"، "شجع وسجل يا حريف"، "لا يقاومه الصغار ولا حتى الكبار".

تعوّدت الطاعة. وألفت الابتسامة التي ترسم على شفاه من يسمع مني: "حاضر، أبشر، من عيوني". في عربنتي، في اختيار مدرستي، في تقسيم دَخـْلي، في تنصيب رؤسائي، بل حتى في تعيين قضاة صدّام.

"لا بأس".. قلتها كثيراً، أعرف. وسأقولها أكثر. حتى ينسى من سيدفنني عقالاً له في قبري.. رُحماك يا ربي.

تعليقات