يا هذه الوظيفة وإلا فلا!


ليس هناك نفساً بشرية أحادية الموهبة، على الأقل هذا ما توحيه لنا المُثُل العُليا في قادة البشرية من المبدعين والفلاسفة والأبطال. فلكلٍ خصائصهُ العقلية المتعددة المتعلقة بالتفكير والتأمل البعيد عن العاطفة، وسِماته الوجدانية التي تحدد علاقته العاطفية بكل ما يُحيط به.

وحين يَفرضُ التعليم نظاماً صارماً في التلقين، أبعد ما يكون عن استقصاء المواهب وتنميتها، هو بذلك يُصادم الواقع الفطري للإنسان، فيجبله على نظرية "الأبيض والأسود"، و"الماء والنار"، و"الليل والنهار"، فيقتل فيه الحلول وأنصافها وأنصاف أنصافها تدريجياً، ويُجلي له التصنيف الأحادي بدءاً من هاجس الدين والتديُّن: هذا مطوِّع وهذا لا! هذا مسلم وهذا لا! هذا في الجنة وهذا لا... وهكذا إلى نهاية الأحياء والأشياء، حتى تكبر الدائرة وتتسع وتشمل: هذه وظيفة حكومية وهذه لا! هذه لها مُستقبل وهذه لا!

ولأن أغلب الذين دخلوا الجامعات اختاروا كلياتهم وفقاً لمقياس (الوظيفة المضمونة)، ثم بناءً على (الموهبة الوحيدة)، تخرَّجوا وهم أيضاً بنفس الفِكر والعاطفة، لأن نظامنا الجامعي لا يختلف كثيراً عمَّا سبقه من مراحل تعليمية، فتُراهم يبحثون فور تخرجهم عن عمل في مجال تخصصهم، وإذا لم يُقدَّر لهم أن يعملوا في ما أرادوا ودرسوا، تدور بهم الأرض، ويظنون أن الكل يقف ضِدَّهم.

إنَّ مشكلة خريجينا تكمُن في اعتقادهم بأنهم إذا لم يعملوا في مجال شهاداتهم، فإنهم سيبقون على هامش الحياة، في فترة انتقالية على جسرٍ مهترئ، حتى تصل بهم الأيام إلى حيث يأملون، مُعطِّلين أنفسهم والمجتمع عن النهوض والمنافسة، بحُجَّة: يا هذه الوظيفة، وإلا فلا!

قلة من الناس يتبعون مواهبهم إلى النفق المظلم الذي تأخذهم إليه؛ فالوظيفة لم تكن يوماً مصدراً رائعاً للدخل إلا فيما ندر، وفي المقابل فإن (المواهب المتعددة) التي تضمُّها أجسادنا هي ما يُحدد مصائرنا، إذا أحسنَّا اكتشافها، وضبطنا دورها في الارتقاء بنا وبمن حولنا ممن يُفيدها ويستفيد منها.

تعليقات

  1. بس لو كان في بلد معدوم الوضائف؟
    الفيديو يتكلم
    http://www.youtube.com/watch?v=OBQ6mFoxXBg

    ردحذف

إرسال تعليق