عطلة يوم المطر!


عُرف قديماً أن الهروب من المشكلة لا يحلها، وعند علماء الاجتماع والنفس يبدأ حل المشكلة عبر تحديدها ثم تصنيفها، فالبحث عن الحلول البديلة، واختيار الحل، وأخيراً تطبيق الحل ثم تقييم الوضع.

لكن في السعودية، ابتكر مسؤولون طرقاً بديلة، نهجاً آخر، ليس له وجود في كُتب درسناها، وعلومٍ تعلمناها، ربما لـ"الخصوصية السعودية" دور، بل دور كبير، في ابتكار قرار يقضي بأن يُغيَّب الطلاب والطالبات في مدن رئيسية عن مدارسهم بسبب أمطار قد تهطل بغزارة، قلت أمطار ولم أقل عاصفة مدارية، أو تسونامي، أو إعصار جامح.

حسناً، لا أدري لماذا دارت الدنيا، وضحك الجميع، وانطلق الحس السعودي الساخر - كالعادة - لينال من قرار مهم كهذا؟

إن لهذا القرار أبعاد قومية واجتماعية جهلها من عرفها، وجهلها من جهلها، وسأسردها في نقاط سبعة، حتى يعم الخير، وتنتشر بركات القرار:

أولاً: في هذا القرار حل لمشكلة أزمة الثقة بين الطلاب ومدارسهم، فأية إجازة أو عطلة، تعتبر انفراجة في العلاقة المتأزمة بين الطالب والمدرسة، وبادرة طيبة من المدرسة إذ تخطو باتجاه التطبيع، وعلى الطالب أن يحس على دمه، ويقبل بهكذا حل.


ثانياً: في هذا القرار حل لمشكلة موظفي القطاع الخاص مع الدولة، وفيه بادرة حُسن نوايا تجاههم، إذ لم تشملهم قرارات صرف الراتبين، وبدل غلاء المعيشة، في حين شمل أبناءهم وأقاربهم وأبناء عشائرهم قرار الغياب بسبب المطر، فليحمدوا ربهم ويشكروا فضله.

ثالثاً: في هذا القرار حل لمشكلة السلامة في المدارس، فمن بعد حريق "براعم الوطن"، بدأ الحديث عن إحصاءات تُعدِّد استعداد المدارس وجاهزيتها في حال حدوث حرائق مشابهة، وكانت الأرقام كارثية. فأتى هذا القرار ليقلل من نسبة حدوث أية كوارث في يوم هطول المطر، ببساطة لأن الطلاب والطالبات سيكونوا في بيوتهم، وهم - كما أثبتت التحقيقات في جدة - سبب كارثة الحريق، وليس الطفايات منتهية الصلاحية، ولا عدم وجود مخارج طواريء، ولا عدم وجود أجراس إنذار، ولا وجود سياج محكم على النوافذ.

رابعاً: في هذا القرار حل لمشكلة المعلمين والمعلمات، والذين لا يفتأون من الشكاية من عدم اهتمام الدولة بهم، وبأنهم مواطنون درجة ثانية بعد القطاع العسكري، فأتى هذا القرار ليُثبت للجميع أن الدولة تهتم بالمعلمين والمعلمات وتخاف عليهم حتى الأمطار، بينما لم تصدر أي قرارات مماثلة لتغييب موظفي القطاع العسكري أو الطبي أو القطاع الخاص حتى، وفي هذا إشارة إلى أن الجميع، سوى المعلمين والمعلمات الأعزاء، لو ماتوا بسبب الأمطار.. لا يهم.

خامساً: في هذا القرار حل لمشكلة معرفة المواطنين بوجود جهة حكومية اسمها رئاسة الأرصاد، وبأنها تستطيع استصدار قرارات مصيرية، تتعلق بالحياة أو الموت، وهي بهذا في غنى عن إجراء أي حملات إعلانية للتعريف بنفسها، أو بموقعها.

سادساً: في هذا القرار حل لمشكلة عدم الإقبال على السياحة الوطنية، فالناس حتماً سيخرجون في هذا اليوم للبراري والقفار لمشاهدة الأمطار، وكيف ستمتلئ بها سدود الأودية ومجاريها، وبالطبع سيسألون بعضهم أو يستفسرون عن مكامن هذه المواقع الخلابة، وكبادرة حسن نوايا مني، هذا هو الرقم المجاني لهيئة السياحة في السعودية، حتى تسألوها من الآن، لأوفر عليكم الوقت: 8007550000

سابعاً: أهم ما في هذا القرار الداهية، هو أن الدولة وفرت به مليارات الريالات التي كانت ستصرفها على مشاريع تصريف مياه السيول والأمطار. فالنكن واقعيين! هل تريدون أن تصرف الدولة على مشاريع ضخمة وبُنىً تحتية حديثة لتصريف مياه أمطارٍ قد لا تسقط إلا 3 أو 4 مرات في السنة، بينما يستطيع الطلاب والطالبات الغياب في هذه الأيام المعدودات، وتعم الفرحة، ويستفيد الجميع من النقاط التي ذكرتها أعلاه؟

إننا إذا صدَّقنا هذه العوامل الإيجابية للقرار، وعملنا على أسس تحقيقها، سنكون قد أمَّنا لـ"الخصوصية السعودية" عقوداً من البقاء مزدانة بيننا، محتفين بأنها تميِّزنا عن جميع الدول الأخرى، وتجعلنا نتفوق عليها، وعلى أنفسنا.

هنيئاً لنا ولكم، فموسم الأمطار في أوله.

تعليقات

  1. أهني على ما كتبته
    جميل جدًا
    مع تحيات :
    طالبه في إجازه بسبب ذرات من المطر

    ردحذف

إرسال تعليق