"أفا! طِحت من عيني"

من سمات الانفتاح العقلي قبول لجوء البعض لخيارات أخرى غير التي نراها صواباً، قبولاً برضى واضحٍ دون تحفظٍ يتم إكنانه أو تهكم يتم إسراره؛ إذ ليس من واجبنا دائماً أن نسعى لصراعات نثبت فيها أن ما اختاره غيرنا خاطيء؛ بالتأكيد ما لم تكن المسألة متعلقة بأخلاقيات مُسلَّم بها.

الحقيقة إن باب الخيارات في الحياة مفتوح على مصراعيه، والقناعة المطلقة ببلوغ الحقيقة تتفاوت بحسب طرائق التفكير والحساب، وجمع كل العقول في زاوية واحدة لتفكر بنفس الطريقة، أو لإجبارها على نفس الحقيقة، ضرب من الإمبريالية الفكرية، وتخلف عن استيعاب الواقع، بكل ألوانه وطيوفه.

المجتمعات التي تنهج منهج الخيار الوحيد، والسيطرة الجبرية على النزوح إلى ما غير هذا الخيار، تستشري فيها العصبية بالضرورة، فينعدم الحوار، ويشتد الخلاف، ويهيمن التصنيف، ويبدو مبدأ "إما أو" جلياً عند توصيف الناس، فتُشخصن الخلافات، غالباً باسم الفكر، فيُقال: "أنا ضد تفكير فلان"، وهو في النهاية يُكِنُّ أنه ضده كشخص، فما "فلان" دون فِكرِه أي عقله أي آدميته؟

إن عدم قبولنا لفكرة أو مجموعة أفكار انتهجها "فلان"، لا يحتم أن نتضاد مع فكر هذا ال"فلان"، إلا إذا كنا نتعمَّد الإقصاء ونبحث عنه، وهذا ما ينفيه الكثيرون ولكنهم يمارسونه بإصرار يُخفي انغلاقهم، واحتفاءهم بخياراتهم بعيداً عن ثمة أمل لقبول اختيارات الآخرين والرِّضى بها.

أذكر أن أحد أصدقائي كتب على تويتر أنه اشترى جهاز جوال HTC، فرد عليه أحدهم: "أفا! طِحت من عيني"!. هذا مثال لما صُقِلَ عليه مجتمع الذي رد. إنه يُسقِط الآخر لأنه خالفه! وربما يُصعِّد الخلاف ويذهب بعيداً في التحليل فيصف المُخالِف بالأحمق المغرَّر به أو المغرور الباحث عن البروز، لمجرِّد أنه ناهض المتوقع، واختار أمراً مختلفاً مما هو مُتاح ومُباح.

من حق الجميع أن يُجلي حقيقة التنوُّع الفكري، الذي هو أهم ما يُميِّزنا كبشر، بل المساهمة في توسيع الدائرة أكثر فأكثر، لتسع كل الألوان والعقول التي تبَّنتها، فليس هناك أحمق سوى الذي يؤمن بأن خياراته فقط هي الصحيحة، وغيرُهُ لم يصل لدرجة ذكائه بعد.

تعليقات

  1. يا شيخ الرجال كان يمزح مو قاصدها انو طحت من عيني من جد هههههه

    تدوينة رائعة استمتعت بقرائتها

    ردحذف
    الردود
    1. ههههه تسلم أنس.. مرورك أسعدني.

      حذف

إرسال تعليق