لماذا هذا العزوف عن الأخبار؟

يبدو أن العامة ملَّت من الجدِّية! وملَّت من القضية الفلسطينية والأزمات العراقية والثورات العربية والتفجيرات الأفغانية. لنكن مُحقِّين! طالعوا الأخبار الأكثر قراءة إن شئتم في أهم المواقع الإخبارية، وحجم الإقبال المهول الملموس على البرامج الفنية!

حسناً! يبدو أني سجعتُ قليلاً عن غير قصد، ولكني أعني ما أقول! فلم أشهد في حياتي حجم تفاعل على صفحات فيسبوك كما شاهدت على صفحتي "أراب آيدل" و"أرابز قت تالنت"! الصورة أو مقطع الفيديو يوضعان، فتجد في دقائق آلاف المعجبين والمعلقين، بينما صفحتي قناتي الجزيرة والعربية تناضلان وتتقاتلان من أجل المعجبين!

الحقيقة التي لازلنا نُداريها هي أن زمن "الجد خارج إطار الإجبار" انتهى، وبدأ الجمهور يبحث عن الطرفة والفكاهة والقضايا التي تعجبه ويهتم لها، في ظل صعوبة الحياة وتعدد أساليب استقاء المعلومات والأخبار؛ فلم تعد القومية العربية هماً ولا الوحدة الإسلامية شاغلاً. ببساطة لأن الناس ملَّت، وطفح عندها كيل الوعود والآمال الفضفاضة، والنقاشات في التصنيفات الفكرية والدينية والمذهبية التي تبدأ ولا تنتهي، فأصبحت دائرة اهتماماتها تضيق شيئاً فشيئاً حتى بدت شخصية جداً!

عندما شاهدت خطاب الرئيس باراك أوباما الأخير، الذي ألقاه في اجتماع صحفيي البيت الأبيض بواشنطن، وبالرغم أن أوباما لم يفعل حتى الآن ما أحبه من أجله، أو أكرهه من أجله، على الصعيد الرسمي؛ أحببت الرجل لأنه أضحكني كثيراً، لدرجة أني شعرت أنه لو لم يكن رئيساً لوددت كثيراً أن يكون "ستاند أب كوميدي"! ربما أوباما غافلني بدخول قلبي لحظتها، ولكنه يستحق ذلك، وحينها تساءلت! لماذا راقني جداً الآن، ولهذه الدرجة؟!

تذكرت وقتها خطابات الملك عبدالله، ملك السعودية حفظه الله، العفوية البسيطة، فكثيرون أحبوه من خلالها، وأخذوا لوقت يرددون ما ورد فيها من تلقائية وأريحية، فانسابت إلى دواخلهم، لأنها كانت من بشر إلى بشر، ومن القلب إلى القلب، فالتصنُّع قد يكسب هيبة، والتكلُّف قد يوهب خوفاً، ولكن أن تشعر الذي أمامك شخص عادي مثلك مثله، وقد كنت تحسبه غير ذلك، سيورث تعاطفاً حقيقياً وحباً صادقاً عن غير قصد.

ربما أصبحت الأخبار الجادة الرتيبة حكراً على نخبة مهتمة، لسبب أو لآخر، ولكن ماذا عن السواد الباقي؟ ماذا يُخطط له صُنَّاع الإعلام ورُوَّاده؟ هل الجيل القادم في الحسبان؟ أم أنه خارج المعادلة، بحكم الأجندات والأهداف؟

القادم لا محالة هو عصر الأون لاين، فموقع يوتيوب تفوَّق بمراحل على قنوات التلفزيون من حيث المشاهدة، فالعامة لم تعد تنتظر أن يُملي عليها أحدهم ماذا تشاهد، ومتى! بل أصبحت قادرة على حسم هذه الوصاية، ومقتنعة تماماً بأن ما فاتها على قنوات التلفزيون ستشاهده على يوتيوب لاحقاً، على الأقل إذا كان مُهمّاً، وإلا فهو لا يستحق المشاهدة.

بالعودة للسؤال الشاغل! لماذا هذا العزوف عن الأخبار؟ برأيي لأن البدائل المتنوعة متوفرة ويسيرة، ولأن زمن الصوت العالي في الإعلام انتهى، وبدأ مكانه صوت "ما هو اهتمامك؟ وكيف أخفف عنك صعوبة ما تواجه في يومياتك حياتك؟".

 

تعليقات