ومِنكَ السلام!



للقلوب مرافئ تُسعدها! تبحث عنها في بحر الحياة اللُّجيِّ، وتكَسُّرِ نهايات الأيام المُتعَبة على شواطئها، فتَركن، وكلها حنين. 

وهل من سعادة دون سلام؟ فالسلام أنبلُ ما في الدنيا، ومنبع الإيمان الصادق بالجمال فيمن حولنا. "ادفع باللتي هيَ أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم" هذا ما أمر به سبحانه، فقد نزلت الآية في أبي جهل؛ إذ كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم فأُمِر نبينا الكريم بالعفو عنه. هكذا يتجسُّد السلام حين يكون هو الوسيلة، وكذلك الغاية، المرفأ الذي نعلق عليه آمال إنسانيتنا، حتى فيما يتصل بتبادل المصالح مع الآخرين، فنبني وشائج السلام، دون أن نقصد، ونحسَبُ أننا ننشر السعادة، أيضاً دون أن نقصد!

وكما تعودنا، بحكم آدميتنا، أن نعلِّق التحوُّل إلى الأفضل بمناسبة ما، مَثَلُنا حين كنا ننتظر أن يحلَّ العيد لنهدي أمَّهاتنا، أو حين لا نحرص على كوكب الأرض إلا في ساعة الأرض؛ سنعلِّق السلام أيضاً بشهر السلام! لتجديد العهد مع المرافئ كلها، حتى لو كانت بعيدة، أو كانت الدأماءُ إليها عاصفة حالكة هائجة!

يقول محمد بن علي السنوسي - بيَّض الله وجهه -:
رمضان يا أملَ النفوسِ الظامئاتِ إلى السلامْ
يا شهرُ بل يا نهرُ ينهلُ من عذوبتهِ الأنامْ
طافتْ بك الأرواحُ سابحةً كأسراب الحمامْ
بِيضٌ يجلّلها التقى نوراً ويصقلها الصيامْ


والأزكى من السلام التسليم! تفعيل الفعل، المبادرة إليه ونَثرُه كما تنثر الرياحُ المُزنَ لتُبهجَ البسيطة، حتى لا يكن حسبنا من السلام ردة الفعل وليس الفعل، الحفظ وليس الصدح، الحصر وليس النشر؛ وإلا فكيف سنكون أفراداً من أمة دينها السلام، وفرصها في النهوض - كلها - متعلقة به، فنحنُ لم نعرف حقداً حقق سعادة، ولا ظلماً حقق نهوضاً، ولا عفواً.. لم يحقق سلاماً.

تعليقات