هل هي فقاعة وستزول؟!



نحنُ نتجه إعلامياً إلى مرحلة عجيبة غريبة! وما رسخ لهذه المرحلة هو الشبكات الاجتماعية، ذاك الترابط المعقد الذي يسيطر على حياتنا، ويقربنا من الآخر أكثر فأكثر!

لم يعد للجد مكاناً في الإعلام إلا للشزر اليسير؛ فالناس - عالمياً - ترغب بالترفيه وتتوق إليه، والفرد يريد أن يضحك، يريد أن يسمع ويشاهد ويرى أشياء غريبة، فضائح، جنس، مشاهير من طراز مختلف، حيوانات تمارس عادات غير مألوفة، سقوط حر إلى الأرض، ويغلف كل هذا الإبداع والإدهاش والأهم.. عنصر الفاجأة.

في معظم المواقع الإخبارية، تجد المواضيع الأكثر قراءة هي التي تحمل طابع ما أسلفت، أما القصص الثقافية الجادة، أو التحقيقات الصحفية التي تصرف عليها مئات الآلاف من الدولارات، ليس لها مكان في "توب تن" ملايين المشاهدات.

"أضْحِكني أكثر، أخبرني بفضائح عن أناس أعرفهم، سأرغب بك أكثر!" حتى في العلاقات بين البشر، أصبحت اللقاءات التي يصبغها الجد والتثقيف رتيبة، ومملة، ونادرة، كاجتماعات العمل والعائلة التي نُرغم عليها.

قبل قليل كنتُ في نقاش ثري مع أحد الإعلاميين المعروفين عن هذه الظاهرة، هو كان مُصِّراً على أن هذه فقاعة ستزول، وأن المجتمعات تمر بنوبات كهذه منذ الأزل، وأنا كنت أحاول قول أن هذه ليست فقاعة، بل مصير نحن نعيشه وسائرون إليه، وضربت له عدة أمثلة، منها أن "ليدي غاغا" هي رقم واحد في تويتر، وأن "غانم ستايل" رقم واحد في يوتيوب، وأن كتاب "رجاء الصانع" يبيع أكثر بمراحل من كتب المفكر والفيلسوف المعاصر إبراهيم الكوني. 

إنه خيار حددت معالمه "العولمة" التي نعيشها، التقارب الحمميم بين الأفراد من خلال الشبكات الاجتماعية والإنترنت. إنه واقع إعلامي ومجتمعي مقرر محتوم، حتى أن المؤسسات الإعلامية الكلاسيكية بدأت تواكبه وتتسابق إليه، والنهاية لما يحدث الآن ليست معروفة ولا مُقررة ولا يمكن لأحد أن يتهكن بها.

في حساب قناة العربية على يوتيوب - على سبيل المثال - اثنان من مقاطع الفيديو الأكثر مشاهدة يحملان العنوانين التاليين: "أحلام تتهم زوج نانسي عجرم بالبخل ونانسي ترد" 5 ملايين 600 ألف مشاهدة، و"العطسة التي هزت أستديوهات العربية" 2 مليون و800 ألأف مشاهدة، بينما ذات الحساب يبث يومياً عشرات التحقيقات والأفلام الوثائقية والأخبار المهمة، ولا تحقق جزءاً يذكر من هذه الأرقام!

 "كلما زاد التعب، كلما عوضنا بمتعة أكبر" هذا ما يشعر به الفرد منا، وهذا ما يدونه في حساباته في الشبكات الاجتماعية، وهذا ما يتبناه الإعلام، وهذا ما أستطيع أن أفسر به ما يحدث من حولنا، وأن أرضى بما آل إليه الأمر، إعلامياً ومجتمعياً، فالبون يزداد كل يوم بين النخبة والعامة، ولا أدري كم سيصل إتساعه في السنوات القادمة.

تعليقات