2012-04-26

"أفا! طِحت من عيني"

من سمات الانفتاح العقلي قبول لجوء البعض لخيارات أخرى غير التي نراها صواباً، قبولاً برضى واضحٍ دون تحفظٍ يتم إكنانه أو تهكم يتم إسراره؛ إذ ليس من واجبنا دائماً أن نسعى لصراعات نثبت فيها أن ما اختاره غيرنا خاطيء؛ بالتأكيد ما لم تكن المسألة متعلقة بأخلاقيات مُسلَّم بها.

الحقيقة إن باب الخيارات في الحياة مفتوح على مصراعيه، والقناعة المطلقة ببلوغ الحقيقة تتفاوت بحسب طرائق التفكير والحساب، وجمع كل العقول في زاوية واحدة لتفكر بنفس الطريقة، أو لإجبارها على نفس الحقيقة، ضرب من الإمبريالية الفكرية، وتخلف عن استيعاب الواقع، بكل ألوانه وطيوفه.

المجتمعات التي تنهج منهج الخيار الوحيد، والسيطرة الجبرية على النزوح إلى ما غير هذا الخيار، تستشري فيها العصبية بالضرورة، فينعدم الحوار، ويشتد الخلاف، ويهيمن التصنيف، ويبدو مبدأ "إما أو" جلياً عند توصيف الناس، فتُشخصن الخلافات، غالباً باسم الفكر، فيُقال: "أنا ضد تفكير فلان"، وهو في النهاية يُكِنُّ أنه ضده كشخص، فما "فلان" دون فِكرِه أي عقله أي آدميته؟

إن عدم قبولنا لفكرة أو مجموعة أفكار انتهجها "فلان"، لا يحتم أن نتضاد مع فكر هذا ال"فلان"، إلا إذا كنا نتعمَّد الإقصاء ونبحث عنه، وهذا ما ينفيه الكثيرون ولكنهم يمارسونه بإصرار يُخفي انغلاقهم، واحتفاءهم بخياراتهم بعيداً عن ثمة أمل لقبول اختيارات الآخرين والرِّضى بها.

أذكر أن أحد أصدقائي كتب على تويتر أنه اشترى جهاز جوال HTC، فرد عليه أحدهم: "أفا! طِحت من عيني"!. هذا مثال لما صُقِلَ عليه مجتمع الذي رد. إنه يُسقِط الآخر لأنه خالفه! وربما يُصعِّد الخلاف ويذهب بعيداً في التحليل فيصف المُخالِف بالأحمق المغرَّر به أو المغرور الباحث عن البروز، لمجرِّد أنه ناهض المتوقع، واختار أمراً مختلفاً مما هو مُتاح ومُباح.

من حق الجميع أن يُجلي حقيقة التنوُّع الفكري، الذي هو أهم ما يُميِّزنا كبشر، بل المساهمة في توسيع الدائرة أكثر فأكثر، لتسع كل الألوان والعقول التي تبَّنتها، فليس هناك أحمق سوى الذي يؤمن بأن خياراته فقط هي الصحيحة، وغيرُهُ لم يصل لدرجة ذكائه بعد.

2012-04-21

آلهة من نوع آخر!

تعلمت أن الناس من الخطأ الذي يتبعه اعتذار على ثلاثة أنواع! نوع يقبل ويغفر، وهو سليم القلب نقي الروح، الذي يؤمن بالاختلاف وأصالته، والأخطاء وقدمها، وأن من الفطرة أن يخطيء المرء حتى مع ربه، فيستغفر فيُغفر له.


ونوع لا يقبل ولا يغفر، لظنه أن المخطيء كان قاصداً، فيصف الاعتذار بالباهت البارد، ويقول "فلان قال كذا وكذا ثم اعتذر بكل بساطة"، وكأن الاعتذار على أنواع؛ نوع بسيط ونوع شبه بسيط، ونوع خشن، ونوع مدوٍّ، ونوع ربما له رائحة!


ومشكلة هؤلاء الذين لا يقبلون الاعتذار ولا يغفرون الخطأ أنهم تجاوزوا بأنفسهم حاجز البشرية إلى ما فوقها، فأتخيلهم آلهة من النوع الذي لا يُقتدى به! فهم على مبدأ "إن أحسن الناس فهو واجبهم، وإن أساؤوا واستغفروا فلن نقبل لهم عذراً".


أما النوع الثالث من صنوف الناس في الخطأ الذي يتبعه اعتذار، فهو الذي يؤِّل الخطأ ويفصله ويحوره وينسى الاعتذار، وإن ذكره أسماه تراجعاً، وكأنه في معركة حقيقية تراجع جيش عدوه فيها، وهذا الصنف من الناس هو أشدهم قساوة وأضلهم سريرة وأعزهم جهلاً، فعنده خارطة ثابتة لأشخاص في حياته يسميهم الأعداء، ويظن أنهم يصلون الليل بالنهار للنيل منه، ولا يسمح لأحد المساس بيقينه من أن الحياة مؤامرة، عليها نحيا وعليها نموت، وأن كل شيء له ما وراءه، وحسبه مما حوله ما يعتقد به لا ما يراه.


من طبيعة الأنام أن تستحلي ما يخدم آراءها وتروِّج له، ولكن البعض يبالغ في هذا حد السفه، فإن كره شخصاً فضح زلاته، ليثبت رأيه فيه، كما هو حال المتعصبين لفكرة أو شخصية أو شيء ما، تياراً فكرياً أو حزباً سياسياً أو نادياً رياضياً أو علامة تجارية، فيتعدَّى ذكر محاسن ما يؤمن به إلى استخطاء الآخر واستنقاصه، والبحث في الثنايا وبين الكلمات عما يشوِّهه ويجرحه، ويظن أنه بهذا أفاد وأنجز، لاعتقاده - كما تقدَّم - بأنه في معركة لا تنتهي ولا يريد لها أن تنتهي.


إن سلامة الظن من سلامة الفطرة واتزان الفكر، والاكتفاء بالظاهر كما يبدو لنا، دون استدراكات غالبها افتراءات، ليس سذاجة ولا حماقة، بل هو النهج المنطقي الأحق بالاتباع، فليس لأحد قراءة النوايا الخفية والسرائر الغيبية، ولا صدق الاعتذار وحقيقته.


إن صنع الأعداء ومناصبتهم العداء أسهل دائماً من الحصول على أصدقاء جدد والمحافظة عليهم، فما أجل أن نعذر، إذ نحن بالكاد نجد من يعتذر إن أخطأ، خصوصاً مع هذا الاتساع من الانفتاح الفكري، والتباري في إثبات الحقيقة، وكأن كل شخص يمتلكها كلها وحده دون سواه.

2012-04-17

موقع CNN ينقل عن تدوينتي "الحرب الجديدة!"


دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- تنوعت اهتمامات المدونين العرب لهذا الأسبوع ما بين التركيز على آخر تطورات الوضع في سوريا، والتطرق لقضية مقتل مصور محطة تلفزيون "الجديد" اللبناني علي شعبان، إضافة إلى الصراع في مصر بين مرشحي الانتخابات الرئاسية، إلى جانب مجموعة من القضايا الأخرى. 

فتحت عنوان "ثورة بلا أخلاق... لا توقفوا القتل .. لا نريد وطنا لكل السوريين"، كتبت مدونة كبريت السورية: " بعيداً عن الرومانسيات الثورية والأخلاقية، لم أتخيل يوماً أن أحداً قد يعترض على شعارات جوهرية مثل "أوقفوا القتل" "نريد وطناً لكل السوريّين." هي شعارات أساسية في بساطتها، وفي بنيتها وفي أخلاقيتها. من أبسط مسلّمات أخلاقيات الإنسان، أو ما بقي من الإنسان فينا، أن نرفض القتل. القتل "حرام." أصرّ أن أفترض أن القتل ليس من غرائز الإنسان."

وأضافت المدونة بالقول: "أن يتجاهل البعض الأطر الأخلاقية التي يصعب الاختلاف عليها أمر ممكن. أن يطالبوا أيضاً بغياب الأخلاق عن ثورتهم هو أمر غريب بعض الشيء. أن يصرحوا به علناً هو غريب بشكل استثنائي. أما أن تغيب عن وعيهم لا أخلاقية اعتراضهم على شعارٍ يطالب بوقف القتل فهو أكثر من غريب. هو مثال في السذاجة وغياب الوعي في أحسن الأحوال. هو قمة في البشاعة."

واختممت المدونة بالقول: "سينتهي الثوريون جداً من تفاصيل معاركهم وسيتذكرون أنه لا بديل عن بناء الوطن. سيعودون لإكمال ما بدأوا تضحياتهم من أجله، ومن بدأوا ثورتهم من أجلهم. يبطؤون السير قليلاً، يتوقفون، يعودون قليلاً إلى الوراء، يأخذون بيد من تخلف عن سريع خطاهم وينطلقون معهم إلى الأمام، لأنه لا بديل عن بناء الوطن.... ليت هذا اليوم يأتي سريعاً."

وعلى مدونة "مواطن جوعان"، تناول المدون اللبناني خضر سلامة قضية مقتل مصور محطة "الجديد" علي شعبان. فتحت عنوان "من قتل علي شعبان"، كتب سلامة: "علي شعبان قُتل على الحدود السورية، المسؤول عن أمن الحدود اللبنانية السورية، دولة لبنان ودولة سورية، أين كان الجيش اللبناني؟ هل أعلن الجيش اللبناني رسميا أن لا سلطة له على وادي خالد، وأن السلطة هناك للعصابات وللآخرين على الجهة المقابلة؟ ثم، من قال إن أزمة سورية تعفي دولتها من مسؤوليتها عن أمن الزوار لحدودها؟ بحال صدقنا روايتها، لماذا لم يُستدع سفير واحد؟ لماذا لم تجتمع الحكومة؟ لماذا لم يعلن الحداد؟"

واختتم سلامة تدوينته بالقول: " يا سادة يا تجار المعمورة، هذا دمنا يُعرض للبيع، اغرفوا ما شئتم من أشلائنا، أرخص من أرخص دخان نحن، جثثنا تليق بلفافات تبغكم، هات سيجارك يا زعيم أعبئه من دم علي، هات رغيفك يا زعيم أرش فوقه رماد عساف، هات جيبك واملؤه صدفاً بحرياً من دموع قتلانا على حدودنا المفتوحة للعبث، على قلوبنا المفتوحة للقصف، للحقد، لجهنم يوقدها قادة العالم في أمعائنا الخاوية، ثم يحصدون نتاجها قمحاً لخزائنهم."

أما على مدونة "جبهة التهييس الشعبية"، كتبت المدونة المصرية نوارة نجم، تحت عنوان: "سمعة بيقولك لو ما قبلوش الطعن بتاعي حفضح قضايا الرشوة"، قائلة": كانت فين قضايا الرشوة دي؟ وليه اتستر عليها عم سمعة الواد المؤمن؟ وليه بيقول حاضطر اظهرها لو ما قبلوش الطعن، طب ولو قبلوا الطعن حتسيب المزورين من غير محاسبة؟"

وتابعت نجم بالقول: "واحد من ولاد ابو اسماعيل قالي: ازاي تقولي عليه بيتستر؟ هو فيه قضاء محترم عشان يقدم قضايا الرشوة؟ طيب بما انه مافيش قضاء محترم، ليه بيهدد بإنه يظهرها لو ما قبلوش الطعن؟ والقضاء كان محترم لما رفع قضية على وزارة الداخلية عشان ياخد منها ورقة ان امه ما طلبتش اذن باخذ الجنسية منهم؟ ويضحك على الناس ويفهمهم ان ده دليل على ان امه ما اخدتش الجنسية؟"

وأضافت المدونة بالقول: " هو كام واحد بياخد الاذن ده من الداخلية؟ ولما تقولهم ماهو لما اتسأل على اخته قال ناقص يقولوا اختي فرنسية، يقوم يردوا عليك ويقولوا: ماهو قال ناقص يقولوا ان اختي فرنسية ده مش معناه انه انكر انها امريكية! مالهمش عندي غير الرد ده.." وأهدت لقراء تدوينتها أغنية الشيخ إمام "يا واد يا يويو." 

ومن السعودية، كتب المدون محمد سعود جمال عبر مدونته الشخصية بعنوان "الحرب الجديدة" قائلا: " منع حرية التعبير أمر مقدور عليه، وكل الدول تمارسه بحسب ما تخشاه حكوماتها؛ فقبل أيام، تم تهديد جندي أمريكي تابع للقوات البحرية بالفصل، لأنه قال عن أوباما إنه جبان، والادعاء يقول إن أوباما مسؤول هذا الجندي، وبالتالي عيب عليه أن يُعبِّر عن رأيه في المسؤول عنه. منع حرية التعبير سِمة العالم العربي، ندبة لا تفارق ثقافته، ولا تستطيع أن تنفصل عنه، حتى لو أُريد للسنة أن تتحول كلها ربيعاً."

وتابع جمال بالقول: " الذين مارسوا حظر حرية التعبير، وتفننوا في هذا الحظر وعاشوا عصوره الذهبية، الآن، مشكلتهم في حرية التفكير، ولا أشك في أنهم يصلون الليل بالنهار لإيجاد تركيبة تحقن للأطفال مع مصل شلل الأطفال لتمنع قدرتهم على التفكير في غير ما يُملى عليهم، أو ربما بالفتاوى، أو بالترهيب، أو بالجزرة، المهم أن يمنعوا العقول من الشطوح واكتشاف أن هناك خيارات أخرى للحياة، غير التي ظُنَّ أنها الوحيدة.. والوحيدة جداً."

واختتم المدون السعودي جمال قائلا: "الذي لا مناص منه أن محاولات حظر حرية التفكير لن تنته، بعد أن تمت خسارة حرية التعبير لصالح الحق البشري، وسنشهد بالتأكيد ظهور أسلحة ضاربة التأثير، وعميقة الفتك، لأن التغيير عند أرباب حظر حرية التفكير يُعد مؤامرة شيطانية، والعقبى في نظرهم للذين يرددون هذا ما وجدنا عليه آبائنا. سُّنة الحياة ستستمر، ليسَ بالتقليد، بل بالتغيير والتطوير عبر الإبداع العقلي في حرية التفكير." 

2012-04-09

الحرب الجديدة!

منع حرية التعبير أمر مقدور عليه، وكل الدول تمارسه بحسب ما تخشاه حكوماتها؛ فقبل أيام، تم تهديد جندي أمريكي تابع للقوات البحرية بالفصل، لأنه قال عن أوباما إنه جبان، والادعاء يقول إن أوباما مسؤول هذا الجندي، وبالتالي عيب عليه أن يُعبِّر عن رأيه في المسؤول عنه.

منع حرية التعبير سِمة العالم العربي، ندبة لا تفارق ثقافته، ولا تستطيع أن تنفصل عنه، حتى لو أُريد للسنة أن تتحول كلها ربيعاً.

طيب.. في الواقع! هذا في الماضي، كل وسائل منع التعبير وأسوار الرقابة لم تعد تعني شيئاً اليوم. والناس أصبحت تلعن القناة التي تحذف لقطات من أفلامها، وتتجه فوراً لمشاهدته كاملاً على الإنترنت، حتى دون ترجمة، فقط لمشاهدة اللقطة المحذوفة.

أستطيع أن أؤكد أن المشكلة الآن ما عادت في حرية التعبير، وإلا فإن الخلل في مُمارِسِهَا، لأنه لم يستطع اختيار الوسيط المناسب ليُعبِّر. فليس من العقل أن تقول: وجود وزارة للإعلام يعني التخلف بعينه، عبر صحيفة تحكمها هذه الوزارة، ولا أن تنتقد الخطوط السعودية من خلال مجلتها التي لا أعرف أحداً اقتناها بعد أن ضيعت له وقته في رحلة ما.

الذين مارسوا حظر حرية التعبير، وتفننوا في هذا الحظر وعاشوا عصوره الذهبية، الآن، مشكلتهم في حرية التفكير، ولا أشك في أنهم يصلون الليل بالنهار لإيجاد تركيبة تحقن للأطفال مع مصل شلل الأطفال لتمنع قدرتهم على التفكير في غير ما يُملى عليهم، أو ربما بالفتاوي، أو بالترهيب، أو بالجزرة، المهم أن يمنعوا العقول من الشطوح واكتشاف أن هناك خيارات أخرى للحياة، غير التي ظُنَّ أنها الوحيدة.. والوحيدة جداً.

إن حرية التعبير عبر الوسائط المختلفة الموجودة الآن، هي السبب الأهم في اتساع الرؤية، والتعرف على مناهج متعددة للتفكير، تنتج عنها آراء تسع الكون، يقع العقل على ما يُقنعه منها، والقلب على ما يستهويه مما تحويه؛ فأصبح التطوُّر السريع للقناعات سمة، والتغيير في المبادئ ظاهرة، رافقت هذا الجيل، وانطبعت على ما يقوله ويفعله.

الذي لا مناص منه أن محاولات حظر حرية التفكير لن تنتهي، بعد أن تمت خسارة حرية التعبير لصالح الحق البشري، وسنشهد بالتأكيد ظهور أسلحة ضاربة التأثير، وعميقة الفتك، لأن التغيير عند أرباب حظر حرية التفكير يُعد مؤامرة شيطانية، والعقبى في نظرهم للذين يرددون "هذا ما وجدنا عليه آباءنا".

سُّنة الحياة ستستمر، ليسَ بالتقليد، بل بالتغيير والتطوير عبر الإبداع العقلي في حرية التفكير.

بلاغة الصمت تهز العالم

في تلك الحقبة الرمادية من مطلع القرن العشرين، حين كانت السينما لا تزال تحبو في مهدها الصامت، وكانت الصورة لغة كونية لا تحتاج إلى ترجمان يف...