متعة الفن!


يصعُب على المرء أحياناً الولوج إلى مفهوم إحدى الآثار الفنية التي تنتمي إلى حضارة معينة في حقبة معينة، ومعرفة أساس فكرتها، وتصنيفها في المجال الفني الذي ترجع ليه. وأعني هنا بالآثار الفنية، أي نِتاج إنساني جُعِل من أجل تصوير فكرة معيَّنة، أو للترفيه المحض رُبما، سواءً كان رسماً أو نحتاً أو مسرحاً أو أدباً بشقيه الشائعين: المنظوم والمنثور.


وأقربُ ما يُقرِّب صعوبة هذا الولوج هو عِلم الأدب المُقارَن الذي يختص بدراسة الآداب الإنسانية في بيئاتها وأزمنتها دون المَساس بتفرُّدها وإبداعها، كترجمتها أو محاولة وضعها في إطار غير الذي خـُلِقـَت فيه، فتضعف بنيتها، ويخبو نور بلاغتها، وتـُفهم على نحوٍ آخر مُغاير.


وذات الشأن ينطبق على كل فنٍ لا علاقة له بالعلوم التطبيقية، كهندسة وطِب ونحوهما. فإن الفنون على اختلافها كالزهرة الفاتنة، لا يسع أن نقتلعا من أرضها لندرُسها في بيئة غير بيئتها، وكالموضة المتجددة، فلا يصح بأي حال أن نوقع على موضة في حقبة غابرة، أسس وأبعاد موضة جارية أو متوقـَّعة.


إن من أساسيات النقد الفني، أن نـُطبِّق على المادة المُراد نقدها، قوانين الوقت الذي أنشأت فيه، وأن ندرسها في نفس الظروف التي ولدت فيها، مكانياً وزمانياً، وبذات اللغة إن كان الفن أدبياً، وإلا سنفشل، ولن تتحقق لنا متعة التلذذ بالفنون الإنسانية التي رافقت حضارات إنسانية تستحق الاهتمام.

تعليقات