إعلامٌ له مُرونة خاصة!


بات "الإعلام الجديد" مصطلحاً يتردد كثيراً في الآونة الأخيرة! الكثيرون عرفوه وأسهبوا في تحديد تفاصيله، حتى بدأ التكرار يتسيَّد النصوص، ويسري بالملل في عروق التواقين لمعرفة المزيد عن هذا المارد الذي بَرَزَ فجأة، وتصدَّر قوائم محركات البحث.

ولتعدد مجالات "الإعلام الجديد" وتنوعها، غالب البعض تفضيل مُسميات أخرى تصب في ذات البحيرة، وتنضوي على رؤىً من زوايا أخرى، لا تتجاوز كونها مترادفات مشوبة بثمة تمايُز لا يختلف كثيراً عن اختلافنا في تعريف مذهب فكري ما (فالاستغلال فِكر، إلا أنَّ هُناك من يُعرفه بالرَّأس مالية، وآخرين بالدكتاتورية، وثلة بالماركسية، وهو في كل الأحوال "استغلال"). ولأن "الإعلام الجديد" في نهاية المطاف – أيضاً – فِكر له مفهومه، لا يتم التوغل إلى أعماقه إلا باستخدام أدوات معلومة، أهمها الإنترنت؛ تحفظ البعض على تسميته بـ "الإعلام الجديد"، وآثر: الإعلام الإلكتروني أو البديل أو الشعبوي، وكلها تسميات تنمُّ عن "جديد" لم يكن موجوداً إلى عهد قريب. إعلامٌ له مُرونة خاصة، لا يهمه لقبٌ أو اسم.

ولأن "الإعلام الجديد" في معظم اجتهادات تعريفه يرتبط دوماً بـ "الشبكات الاجتماعية" على الإنترنت؛ لفت انتباهي أنهم في أمريكا لا يقولون لذاتِ الفِكر "إعلاماً جديداً" في الغالب، بل يُطلقون عليه "Social Media" أي الإعلام المجتمعي أو الاجتماعي، وهذه التسمية أدق وأقرب لتعريف مفهوم "الإعلام الجديد"، لأن "الإعلام الجديد" مبني في أساسه على فكرة المواطن الصحفي الذي لا ينتظر الأخبار في نشرات الأخبار، ولا في جريدة أو مجلة، بل يرسلها موثقة وحُرَّة وعفوية بنفسه، نصاً أو صورة أو فيديو أو صوتاً أو تعبيراً رمزياً، عبر "الشبكات الاجتماعية" إلى آخرين في ذات الشبكة، لينشروها هُم بدورهم، فينتشر الخبر كانتشار الهواء أو يهطل كما مُزن من سماء، قبل أن يصل إليه صحفي مُكلَّف (لأن معظم الصحفيين في صحافتنا مُكلَّفون بتغطية أخبار معينة) فيُغطيها، ويُمررها على عدة مراحل قسرية، صناعية وطبيعية، في مطبخ رئاسة التحرير، يَبْرُدُ على إِثْرِهَا الخبر ويذبُل، ويُصبح قصة مُكررة يرويها "الإعلام التقليدي" برتابة.

إنَّ "الإعلام المُجتمعي" أو الجديد غدا صَرعة، وعِلماً يُدرَّسه ممارسوه، ويُخطئ مَن يأتي مِن خارج معمعته ليضع له قوانيناً، ويُنظِّر له، ويُعلِّمه أو يحترفُ الحديث عنه في كتابٍ أو دورة، لأنه ليس هندسة ولا طبِّاً ولا إعلاماً عادياً، إنه إعلامٌ اخترعه الناس، ويمارسه الناس، وينتهي إلى الناس، لا يحتَمِلُ احترافية ولا نظرية ولا أُسّاً. فأساسُه العفوية، وجمالُه في بساطة كلمته، ونقاء سِرِّها الذي لا يعرف توجيهاً ولا يعترفُ بحارس بوابة.

المُستقبل لا يُنبيء بانتهاء صلاحية "الإعلام التقليدي"، ولكنه يُبشِّرُ كثيراً بأن "الإعلام المُجتمعي" سيكون المصدر الإخباري الأوثق، والأسرع، والأكثر حيوية وتفاعلاً.


تعليقات