بيِّنة الملحم: الثورات لم تكن دافعةً لتحويل الشباب السعودي إلى "كائنات سياسية"

دبي- محمد جمال
قالت الكاتبة والأكاديمية السعودية بينة الملحم أن المجتمع السعودي لايزال فتياً بمقوماته الاجتماعية، فهو فتيّ بالنسبة الضخمة التي يمثلها الشباب من بين شرائح المجتمع؛ 70 بالمائة من المجتمع السعودي على الأقل هم من الشباب والفتيات، ورأت أن هذا الفوران الشبابي مكّنهم من صناعة حضورٍ فكري مختلف، بحيث انفتحت عقولهم على الاهتمامات الأدبية والفكرية والفلسفية، وصار حضورهم الفكري جبّاراً، وأسمعوا بطروحاتهم العالم.

جاء ذلك في بحثها الذي ألقته الملحم في جامعة لندن والذي حمل عنوان: "جدلية النقد الثقافي والوعي السياسي". وبينت الدراسة أن الهاجس السياسي لم يكن حاضراً لدى الشباب السعودي على الرغم من المد الشيوعي، ومن ثم ولادة الإسلام السياسي بعد الثورة الإيرانية سنة 1979 غير أن كل ذلك المد لم يحوّل المجتمع السعودي إلى مجتمعٍ تشغله السياسة مثل بعض المجتمعات الأخرى، بل غلب النقاش الفكري الإصلاحي على العمل السياسي، وهذه من الإيجابيات التي تميز الجيل السعودي الحالي بحسب وصفها.

وقالت الدراسة أن المستقبل السياسي في الخليج تم حسمه من خلال البيوع التاريخية من المجتمع للأسر الحاكمة، وبقي النقاش في الخليج منحصراً في الثقافة وسبل التنمية، والوحدة التي انتهجتها دول الخليج فيما بينها، مما ساهم في صد الكثير من التحديات.

وأضافت الملحم في دراستها أن الخليج يبقى في إطاره الكبير محافظاً على تماسكه، بفضل جيلٍ جديد لم ينصع لمغريات التجنيد التي تطرحها القوى الإقليمية ممثلةً بإيران وبالجماعات المسلحة التي تأوي رموزها وتدعم كوادرها وأسسها، واليوم وبعد زمن الثورات، تعود المحاولات من جديد لزعزعة الأمن في الخليج لكن من دون أن يفلحوا ذلك، لأن نمط الحراك في الخليج يختلف عن الدول الأخرى.

وذكرت الدراسة أنه مع كل الظروف التي يمر بها العالم العربي لم تخش السعودية مما تخشى منه بقية الأنظمة، حيث استوعبت السعودية كل المطالبات والبيانات والعرائض التي سببتها حمى التغيير العربي، وهي لا تعدو أن تكون مطالب شكلية، لكن مع ذلك حظيت البيانات بالاستقبال وحظي مقدموها بالأمن، لأن السعودية ببساطةً ليست نظاماً بوليسياً. وتقول: أتعجب من الذين يتحدثون عن السعوديين على أنهم من دون وعي سياسي، الوعي السياسي موجود لدى السعوديين، ولا يشترط له أن يكون مرتبطاً بعملٍ صلف، بل الوعي السياسي مرتبط برؤى التنمية والنهضة والتطور والحضارة".



مصر.. ليست "ثورة جياع"

وأوضحت الملحم أنه حين بدأت الثورات ربط بعض المتظاهرين شعاراته بالخبز، حيث يرفعون كسر الخبز علامةً على الحاجة الاقتصادية، والبعض يقول أنه علامةً على الجوع، غير أن رؤيةً مهمة يطرحها المفكر المصري جلال أمين حين نفى أن تكون الثورة المصرية "ثورة جياع" وإنما ثورة شعبٍ يثور ضد الظلم ويعاني من القمع والاستعباد.

وتعلق الملحم في الدراسة: "يمكن لهذه الرؤية أن تكون صائبةً إذا ما أخذنا بالاعتبار بوليسية النظم التي سقطت واستخباراتيتها العالية، مثل تونس ومصر وليبيا وسوريا، التي تصارع من أجل الحرية اليوم. غير أنني أختلف مع المفكر جلال أمين، لأنني لستُ ميّالةً إلى ربط الظواهر الكبيرة والأحداث الضخمة بعاملٍ وحيد، بل تتعدد العوامل، ما بين عامل الجوع والحاجة الاقتصادية الملحّة، والفاقة المادية، وبين الظلم والاستبداد والقهر".

وتشير الملحم إلى أن التحركات التي بدأت في تونس بحادثة إحراق البوزعزي نفسه في 17 ديسمبر 2010 كانت بسبب صفعةٍ تلقاها من موظفةٍ حكومية، وكذلك حدث في ثورة مصر التي أججتها حالة الغضب على مقتل خالد سعيد من قبل رجال الشرطة، وقل مثل ذلك في التجاوزات الأخرى.

وحول علاقة االشباب السعودي بالثورات التي تحدث حوله تقول الباحثة بينة الملحم: "إن عامل الثورات له طبيعة تاريخية وله امتداد ضارب في المجتمع والنفس والإنسان، وله امتداد بين علم الاجتماع وعلم الاقتصاد والتاريخ والسياسة، هناك عوامل كثيرة وليست عاملاً واحداً ساهمت في التأجيج، غير أن ما يهمنا هو التساؤل عن الرؤية التي يطرحها الشباب السعودي حول الثورة، فما من شك أن الشباب السعودي في علاقته الإعلامية والصحافية والإخبارية بالثورة كان يعلم جيداً أن الأنظمة تختلف، مسافة هائلة بين النظم الخليجية وبين الأنظمة العسكرية الأمنية". 



كائنات سياسية

وتؤكد الباحثة في الدراسة التي حصلت "العربية.نت" على نسخة منها على أن الثورات العربية لم تكن دافعةً لتحويل الشباب السعودي إلى كائنات سياسية، بل كانت مجرد موجة عبروا عنها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ولعل من أفشل وأكثر الدعوات الثورات إثارةً للسخرية، تلك الثورة التي نالت من اسمها نصيباً، والتي دعى إليها بعض الناشطين في السعودية، وغلب على دعاتها نمط طائفي محدد، حين طالبوا بالخروج يوم 11 مارس 2011، ولم يخرج أي أحدٍ لأي هدفٍ أو مطالبة، مشيرةً إلى "ثورة حنين"، وأن عتصامات 21 محرم - وإن حصلت - لن يكون لها أي صدى واقعي، وفقاً للملحم.

ورأت الأكاديمية السعودية أن الشعب السعودي ليس شعباً لديه مشكلة مع نظامه الحاكم، وكل مطالباته التي يريدها تطرح في الصحف، فالردة العكسية حدثت حين عاد دعاة "ثورة حنين" بـ"خفي حنين"، حينها بدأت فكرة أساسية تتأصل وهي أن النقاش في السعودية يجب أن يكون نقاش ثقافة وتنمية، وأن ينأى السعودي عن الموجات السياسية العاطفية التي لا تقدم أي قيمةٍ للواقع والأرض. وتقول: "إن التغيير الذي جاء بمصر وتونس وليبيا وسوريا كان منبنياً على أساس المجيء الباطل لتلك الأنظمة، حينها بدأت حالات الانتقام تتصاعد شيئاً فشيئاً، للتتوج بالثورات التي عصفت بتلك الأنظمة".

وعن العلاقة بين السعوديين والثورات والوعي السياسي قالت المحلم إن موقع "تويتر" شهد نمواً مطّرداً في عدد المسجلين الجدد، والذين في الغالب يحملون اهتمامات متعددة ومتنوعة، غير أن الذي لاحظته الدراسة أن الاهتمام من قبل السعوديين بالأخبار لا يعني أن الحالة باتت دعوةً عالية للتغيير الجذري للأنظمة كما يدعي البعض، ذلك أن المعارضين للنظام السعودي لا يمكنهم إيجاد رؤيةٍ بديلة، وجلّهم من الإخوان المسلمين في السعودية، ومن الحقوقيين الذين تحالفوا مع الإخوان ومع التيارات القديمة التي عادوا في الابنعاث من جديد من خلال أحاديث الثورات وعودة الشعارات.

وأضافت أن ظاهرة "الناشطين" السعوديين تيار مركّب له عدة مكونات، من بينهم ليبراليين اختاروا الرجوع إلى الصفوف الثورية، وبعضهم له تاريخ شيوعي قديم وحُنَّ إليه، وبعضهم من الحركيين الإخوان، والآخرين من النشطاء من الإسلام السياسي الشيعي، وهم اجتمعوا ليكونوا ما يرونه ضغطاً على السياسة في السعودية، وهي محاولات لاصدى لها إلا في الانترنت، لهذا فإن مواقع التواصل الاجتماعي سهلت المعلومة الإخبارية.

وختمت دراستها بالقول: "الكثير من الباحثين يخلط بين اهتمام السعوديين بالأخبار السياسية، فيجعل كل من اهتم بخبرٍ سياسي أو أبدى ملاحظةً تنموية، يصنف ضمن "الناشطين السياسيين"، وهذا خلط منهجي واضح". 

وصلة الخبر: http://www.alarabiya.net/articles/2011/12/15/182802.html

تعليقات