الانتخابات الرئاسية المصرية، والتي أفضت أخيراً إلى أن يختار المواطن بين مسؤول عسكري سابق أو إخواني ينتمي لحزب ديني، وكذلك التوجُّه الإسلامي العام في الدول العربية التي قامت بها ثورات كما في ليبيا وتونس، والتصويت لحكومة إسلامية أيضاً في المغرب، كل ذلك أفضى، كما هو ملموس، إلى خلق حالة استقطاب عميقة في كل المجتمعات العربية دون استثناء، فزادت الهوة بين الراغبين بالهيمنة الإسلامية، وبين المطالبين بدولة مدنية لا تنشغل أو تؤمن بالتفرقة الدينية أو الطائفية، وتعامل الجميع على أساس الانتماء للأرض وبني الإنسان.
إن حالة الاستقطاب هذه، والتي أفضت في معظم الحالات إلى تصنيف الناس لإسلامي وغير إسلامي، رافقها ما يدعم صورتها ويقوِّي من بأسها، وهو التصويت، فأصبح في الظاهر أن اختيار الحكم الديني تم بطريقة ديموقراطية، وقام على أنقاض حكومات دكتاتورية استفردت بالحكم لعقود، وهذه حُجَّة بحد ذاتها، أفضت بالسواد إما للسير مع التوجه العام واختيار الحكم الإسلامي، أو الحيرة فتفضيل الصمت والمراقبة.
الهوس باختيار الحكم الإسلامي قد يبدو غامضاً للكثيرين، لماذا الآن وبهذه الأغلبية الساحقة؟ هل كان الحُكَّام السابقين كفرة لهذه الدرجة؟ طيب كيف يتم الوثوق بسهولة بأشخاص يدَّعون الدين، بينما مر علينا في حياتنا عشرات الأشخاص الذين أظهروا الدين وكانت بواطنهم تفوح بالفساد وسوء الأخلاق؟
الطوفان الغريب نحو اختيار الحكم الإسلامي سببه قلة الوعي السياسي، فالمجتمعات العربية التي ثارت على حُكَّامها، واختارت الحكم الإسلامي، نشأت في ظروف حياتية استبدادية مقيتة، بها الفساد طاغ، والطبقية مستشرية، والقمع ممارسة يومية، ولم يكن النقي في هذه الحياة سوى الدين، إذ كان الملجأ والسَّكن، والطريق نحو علاقة مريحة بالله جل شأنه، فطغت العاطفة على العقل، لأنها كانت المنقذ من براثن الواقع المر والمؤلم، والمُسكِّن الحاضر في كل لحظة.
وحين أتت الفرصة، وتم السماح لأن يختار المحكوم حاكمه، اختار منقذه السري في حياة الهوان السابقة، الدين، وأشاح عن كل دعوة لتحكيم العقل، فهو لم يدرس الديموقراطية ولم يعرفها يوماً، إذ طُبِع على قلبه بأن الحل في ذلك الأفيون، ولا دواء لمشكلته سواه.
هذا يُفسِّر أن مجرَّد ادعاء أن شيئاً ما إسلامي، يكسبه شعبية في مجتمعاتنا، ولكن الخطورة تكمن في توصيف الذي لا يدعي أنه إسلامي مقابل الإسلامي، فهو كافر بمنطق اللغة، وهذا يُعيدنا لدائرة الكراهية المقيتة التي علمونا هي في المدارس.
الشعوب العربية التي ثارت تحتاج إلى الكثير من الوعي بالديموقراطية، وهذا دور اللجان المشرفة على العمليات الانتخابية حالياً، والتعليم لاحقاً، فالديموقراطية ليست طريقة من الطرق التي تأتي بالحاكم إلى الكرسي، بل أسلوب حياة يضمن في أساسياته المساواة وحرية التعبير، وتبدأ من البيت، فالمجتمع، وليست ورقة تُرمى في صندوق معتم والسلام.
تعليقات
إرسال تعليق