عصر الـ UGC


مع بدايات القرن الحادي والعشرين، وبعد دخول خدمة الإنترنت إلى منطقتنا بـ 3 سنوات، بدأ نوع جديد من الإعلام يُسمَّى بالـ Conversational Media  أو الإعلام التفاعلي، والذي أرسى لمفهوم جديد نافس القالب التقليدي للرسالة الإعلامية التي عرفناها أيام الجامعة وهي: "مُرسِل، رسالة، مُتلقي"، حيث كان دور المتلقي محدوداً في استلام الرسالة، والتفاعل معها مع محيطه المباشر، وليس عن طريق الوسائل الإعلامية على اختلافها.
 
المحتوى التفاعلي بدأ على خجل من خلال التعليق على الإخبار في المواقع الإخبارية، ولم يكن الاهتمام بتعليقات القرَّاء – وربما حتى يومنا هذا – مهماً من حيث التجاوب معها من قِبَل مزوِّد الأخبار، فالقارئ يُعلِّق لا لتتم مُحاورته، بل ليُعبِّر عما حاك في صدره حين شاهد ما شاهد.
 
وبعد تلك الفترة بقليل، أي في عام 2001 تقريباً، برز مفهوم آخر من الإعلام، وهو ما يُطلق عليه بالـ User Generated Content، واختصاره UGC، وهو المحتوى الذي يتم إنشاؤه من قِبل المستخدم نفسه، ليتفاعل معه مستخدمين آخرين عبر منصات معروفة، دون أن يكون لأي جهة إعلامية، حكومية كانت أو خاصة، دور في إدارة هذا المحتوى أو مراقبته أو التدخل في صياغته. وكانت البداية من خلال المنتديات ثم عبر منصات التدوين، ثم تطور مفهوم الـ UGC حتى بلغ أوجه في أيامنا هذه من خلال منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك ويوتيوب.
 
في بدايات تطور مفهوم الـ UGC أشاحت مؤسسات الإعلام التقليدي بوجهها عن تلك المنصات، وتجاهلتها، بل وحاربتها، من خلال التشكيك في مصداقية ما يدور فيها، وظنوا أنها منصات هشة للتواصل والترفيه والتعبير بعفوية عن الآراء والأفكار، بيد أنها تحولت خلال عدة سنوات إلى شبح نهِمٍ لا يتوقف عن النمو والتكاثر، فأصبحت واقعاً لا يقل أهمية عن وجودنا فوق هذه الأرض!
 
وإمعاناً في مجاراة "المحتوى الذي يُنشئه المستخدم"، بدأت المؤسسات الإعلامية مؤخراً في المنافسة على إثبات التواجد في منصات التواصل الاجتماعي، و"هشتقة" (أو توسيم) محتوى برامجها ونشراتها، ليتفاعل معه المستخدمون عبر مختلف شبكات التواصل مثل تويتر وفيسبوك ويوتيوب وإنستاغرام وغيرها من المنصات التي كانت في يومٍ ما مصدر إزعاج ومنافسة لتلك المؤسسات الإعلامية التقليدية، فتحول الآن الإزعاج إلى تغريد، والمنافسة إلى أرقام معجبين افتراضيين، لا يعرفون المجاملة، ولا يهتمون لإعلام لا يعترف بهم.
 
لقد أصبح المستخدم في شبكات التواصل الآن يثق بالمستخدم (الذي يتخيَّره لنفسه) أكثر من مؤسسات يقوم عليها المئات، وتُصرَف عليها الملايين! ولا نستبعد من تاريخ سيكتبنا أن يقول عنا إنا كنا نعيش في عصر الـ UGC الذي شارك في وجوده وتنميته وترسيخه أناس عاديين، لا يملكون استراتيجيات ولا مخططات ولا ميزانيات، هم فقط ملُّوا من إعلامٍ يُملي عليهم الخبر والترفيه.. والضِّحكة.


-------
هذا المقال تم نشره في نشرة أرامكو الأسبوعية بتاريخ 19-3-2014

تعليقات