حق التفكير!


الناسُ تطرَب لما تريد أن تسمع! ليس في الغناء والموسيقى فحسب، بل في كل مناحي الحياة. تريد أن يُلامس ما يمر عليها مكاناً في لُبِّ قناعاتها، فتحفل به، وتنشره، وتحتفظ به وتحفظه وتردده وتستشهد به. إنها سمة بشرية سائدة جداً، تعمل على تعزيز ما تؤمن به النفس ويرتاح إليه العقل وتُختَصر به المسافة للهدف أياً كان!

ونحنُ هكذا مَع من نُحِب وما نُحِب، فالحُب قناعة بالاصطفاء، وممناعة  ضد الازدراء، وانسيابٌ سلس للنفس لأن ترتبط بفكرة تؤمن بها، سواءً كانت متمثلة في بشر أم من صنع البشر.

وهكذا الناس مع ما تُجِله وترتاح إليه، تجدها تُنصِتُ حين يتم الحديث عنه، وتنتبه لكل التفاصيل، ويروقها جداً أن وجدت ما يُمكِّن هذا الإجلال منها، فتنسجم معه انسجام الحرباء مع محيطها، فتخالِف فن الاختلاف ولا تبالي، وتستغبي أي رأي يُباين ما تؤمن به، إذ تعتقد أنه الحق الذي لا يُعلى عليه، فتظن أنه سيُؤخِّر وصولها لنشوة الارتباط بقناعاتها، فتفتك به، لو فكرياً.   

وهكذا الناس مع الأخبار من حولها، تُقبِل على ما يروقها وترغب بسماعه، وتؤصل لهذا بعلاقة وشيجة مع مصدر الخبر، فيُمسي عندها - أي المصدر - الأصدق والأوثق والأجدر بالمتابعة، وقد تنافح من أجل هذا المصدر، ولا يروقها مقارنته بغيره من المصادر، فتصبح له قدسية، ومكانة عمياء عَليَّة، وموقعاً هو الأول دائماً، والبقية يأتون - وقد لا يأتون - تِباعاً.

وهنا ينفضح دور الطبيعة، واختلاف البشر في الوصول إلى الطليعة، فللجميع حق خُلِق معهم في التفكير والاختيار؛ فيأتيك من يفضل النقل على العقل، ويُحاجَّك باقتباسات لأسماء هو اصطفاها، لأولين وآخرين، ولا يعلم أنكَ تعتبرها طعاماً قد لا تشتهيه، وإن جربته قد لا تستسيغه.

أقول هذا وقد تمكنت كُتُب التراث من معظم من حولي، حتى أجبرتهم على إهمال العقل تماماً، وكأنه وُضِع فينا لنردد لا لنتفكر، وكأننا مُحاسبون عن التصاقنا بغيرنا، وبما ذكروه.

العِبرة في التفكُّر، في إعادة رسم خارطة للعقل همُّها إعمال العقل وليس التقليد، الاختراع وليس الانصياع، التجرُّد وليس التسليم، في التلذذ بالخروج عن المألوف، والصدع بما يقوله العقل، فلكل مَن على الأرض بصمة، أجزِم أنها لا تتكرر.

تعليقات