في 30 يناير 2007 الساعة: 22:20 م
إنّ المتأمّل للأدب العالمي عموماً والأدب العربي خاصّة سيَجد اختلافاً كبيراً في التغيّرات التي طرأت عليه على مرّ العصور. وهذا – وإن رآه البعض إنحداراً – ليس إلا تمثيلاً حقيقياً للحقبة التاريخية التي يمرّ فيها، وتأثراً طبيعياً بالمتغيّرات السياسية والاجتماعية والنفسية التي لا مناص من الجريان معها في ذات الجَداول والأنهار التي تصبّ في النهاية في بحر العواطف الإنسانية الكبير.
يقول السير أوسبيرت سيتويل: "سيقول النقاد، كالعادة، بأن الأدب ينحط تدريجياً، فهم لم يقولوا شيئاً غير ذلك منذ ظهور أوّل ناقد وحتى الآن". وهذه المقولة صحيحة في الغالب! فالعامّة وكذلك مَن يُمثلهم من النقاد الأكفاء لا يستأنسون بجديدٍ في أدب أو فنٍ إلا بعد مماطلة وطول تقليب وتعييب، فهم يسلـّمون بأن القديم دائماً أجود وأقدر على تحريك الانفعالات البشرية، وعليه فهم يجعلونه أساساً لمقارناتهم المُحبطة أحياناً. وتصوغ لنا مدرسة التاريخ بدورها الكثير من الأمثلة على التباين الكبير بين تغيّر الأساليب الأدبية وتأثرها بالبيئة المحيطة والنزعات الفردية، وبين نفور نقاد ذاك العهد منها واستهجانهم لها ووصفهم لها بالدخيلة والهزيلة.
وبين أيدينا الآن الشعر الحديث، وذاك الأسلوب الكتابي الذي غرقت فيه جَماعة لا يُستهان بها من الشباب العربي، وتقوقعت في شراكه وارتكنت إليه. ولم أكن – حقيقة – لألتفت لذاك المنهج أو أهتم إلا بعد شيوعٍ له ليس بالبسيط، وهطوله الغزير كما وابلٌ في مكانٍ لا واقٍ فيه ولا حام.
والشعر الحديث عندي على ثلاثة تصنيفات: صنف حافظ على عمود الشعر، وحذا حذوَ بحوره المعروفة المعلومة، والتي فنـّدها وفك أسرارها "الخليل الفراهيدي"، وصنف انتهج الشعر الشعبي أو النبطي ولهذا أيضاً قواعد وأصول، والثالث مال إلى القصيدة "الحُرّة" التي لا تخلو من فنون البلاغة من بيانٍ وبديع، وتتميّز بإيقاعات موسيقية مفهومة جميلة تحاكي عصرها، كمعظمِ ما كتب "نزار قبّاني" وبعض قصائد "غازي القصيبي" و"أحمد مطر" وغيرهم كثير.
ومِن خلال التصنيف الأخير تفرّع أسلوب غريب عجيب! أسلوب أراه انسلاخٌ عَن أساس الأدب وما وُضع له، فلا بنية مفهومة وﻻ موضوعية مُدركة، ولا تناسقاً ولا بديعاً ولا بياناً ولا دلالات واضحة ولا معانٍ صريحة ولا استعارات سليمة، بل حتى إن أبسط مايميّز القصيدة – وإن كانت حُرّة – لا تجد له أثراً كالجرس الطربي أو النسق الموسيقي.
وأمثلة ما أصف هنا كثيرة، يكفي بك – عزيزي القارئ – أن تمر في عُجالة على أغلب الأقسام الأدبية في المنتديات غير المتخصصة لتَرى العُجاب، والأكثر من ذلك أن المكتبات عجّت مؤخراً بكتب ألـُفت بهذا الأسلوب.
إني أعني هذا:
"رَبابة قلبي لونها كالمرآة
تتلوّن برائحة الملح
كلما مرت أسنانكِ
من فوقِ غرفتي"
وهذا:
"ذوبي في ذوباني
مع رمل سحابة
حِيكت بالذهب من قلبي
فمتى سيَطير القطار؟"
وهذا:
"ماذا سيبقى عندما تنهال
جمرتنا الخفية في سماء الليل؟
ماذا يختفي فينا؟
وهذا ماؤنا الدموي يستعصي
وطير الروح ينتظر احتمالاً واحداً للموت"
وصدّقوا أن الأخيرة مطلع أغنية اسمها "مكان آمنٌ للحب" للفنان "خالد الشيخ"!!
في رأيي، إن الكتابة بهذا الأسلوب لها دوافعها! فالانفتاح على ثقافات الشعوب الأخرى حتـّم ترجمة بعض قصائدهم إلى العربية، والقصائد إذا تـُرجمت تفقد – في الغالب - الكثير من خصائصها الفنية، وإذا اطلعتم على بعض القصائد المترجمة ستلاحظوا تشابهاً بالذي مثـّلت به. ومن الدوافع أيضاً حُب تحيير الآخرين ولفت انتباههم، وتوصيل بعض التعبيرات المفهومة لدى الكاتب وأحد المعنيِّين دون البقية، والتشتت الذهني، والحياة المتناقضة التي نحياها، والانقلاب على الواقع أو المجتمع، وغيرها الكثير.
إنّ ما أشهد لهذا الأسلوب به هوَ التفنن في انتقاء الألفاظ فقط! وإلاّ فالمعنى ضبابيّ معقـّد كما ترون، والأسلوب غائرٌ في الركاكة، والاستعارات في مُجملها ملفـّقة، وتحتمل ألف تفسير وتفسير، ورُبما قد لا يوجد لها أي تفسير حتى عندَ كاتبها.
لا أعتقد أني سأتجنـّى إن قلت أن هذا هو الانحطاط الأدبي بعينه. وعُذراً أيها السير سيتويل، فلا تفسير لأسلوب كهذا، لا يمت للأدب بصلة، إلا هذا! وحفظ الله "غازي القصيبي" حين قال في كتابه (مائة من أقوالي غير المأثورة): "إذا قرأت كلاماً لا تفهمه لا تحتقر ذكاءك، بل احتقر ذكاء كاتبه".
إنّ المتأمّل للأدب العالمي عموماً والأدب العربي خاصّة سيَجد اختلافاً كبيراً في التغيّرات التي طرأت عليه على مرّ العصور. وهذا – وإن رآه البعض إنحداراً – ليس إلا تمثيلاً حقيقياً للحقبة التاريخية التي يمرّ فيها، وتأثراً طبيعياً بالمتغيّرات السياسية والاجتماعية والنفسية التي لا مناص من الجريان معها في ذات الجَداول والأنهار التي تصبّ في النهاية في بحر العواطف الإنسانية الكبير.
يقول السير أوسبيرت سيتويل: "سيقول النقاد، كالعادة، بأن الأدب ينحط تدريجياً، فهم لم يقولوا شيئاً غير ذلك منذ ظهور أوّل ناقد وحتى الآن". وهذه المقولة صحيحة في الغالب! فالعامّة وكذلك مَن يُمثلهم من النقاد الأكفاء لا يستأنسون بجديدٍ في أدب أو فنٍ إلا بعد مماطلة وطول تقليب وتعييب، فهم يسلـّمون بأن القديم دائماً أجود وأقدر على تحريك الانفعالات البشرية، وعليه فهم يجعلونه أساساً لمقارناتهم المُحبطة أحياناً. وتصوغ لنا مدرسة التاريخ بدورها الكثير من الأمثلة على التباين الكبير بين تغيّر الأساليب الأدبية وتأثرها بالبيئة المحيطة والنزعات الفردية، وبين نفور نقاد ذاك العهد منها واستهجانهم لها ووصفهم لها بالدخيلة والهزيلة.
وبين أيدينا الآن الشعر الحديث، وذاك الأسلوب الكتابي الذي غرقت فيه جَماعة لا يُستهان بها من الشباب العربي، وتقوقعت في شراكه وارتكنت إليه. ولم أكن – حقيقة – لألتفت لذاك المنهج أو أهتم إلا بعد شيوعٍ له ليس بالبسيط، وهطوله الغزير كما وابلٌ في مكانٍ لا واقٍ فيه ولا حام.
والشعر الحديث عندي على ثلاثة تصنيفات: صنف حافظ على عمود الشعر، وحذا حذوَ بحوره المعروفة المعلومة، والتي فنـّدها وفك أسرارها "الخليل الفراهيدي"، وصنف انتهج الشعر الشعبي أو النبطي ولهذا أيضاً قواعد وأصول، والثالث مال إلى القصيدة "الحُرّة" التي لا تخلو من فنون البلاغة من بيانٍ وبديع، وتتميّز بإيقاعات موسيقية مفهومة جميلة تحاكي عصرها، كمعظمِ ما كتب "نزار قبّاني" وبعض قصائد "غازي القصيبي" و"أحمد مطر" وغيرهم كثير.
ومِن خلال التصنيف الأخير تفرّع أسلوب غريب عجيب! أسلوب أراه انسلاخٌ عَن أساس الأدب وما وُضع له، فلا بنية مفهومة وﻻ موضوعية مُدركة، ولا تناسقاً ولا بديعاً ولا بياناً ولا دلالات واضحة ولا معانٍ صريحة ولا استعارات سليمة، بل حتى إن أبسط مايميّز القصيدة – وإن كانت حُرّة – لا تجد له أثراً كالجرس الطربي أو النسق الموسيقي.
وأمثلة ما أصف هنا كثيرة، يكفي بك – عزيزي القارئ – أن تمر في عُجالة على أغلب الأقسام الأدبية في المنتديات غير المتخصصة لتَرى العُجاب، والأكثر من ذلك أن المكتبات عجّت مؤخراً بكتب ألـُفت بهذا الأسلوب.
إني أعني هذا:
"رَبابة قلبي لونها كالمرآة
تتلوّن برائحة الملح
كلما مرت أسنانكِ
من فوقِ غرفتي"
وهذا:
"ذوبي في ذوباني
مع رمل سحابة
حِيكت بالذهب من قلبي
فمتى سيَطير القطار؟"
وهذا:
"ماذا سيبقى عندما تنهال
جمرتنا الخفية في سماء الليل؟
ماذا يختفي فينا؟
وهذا ماؤنا الدموي يستعصي
وطير الروح ينتظر احتمالاً واحداً للموت"
وصدّقوا أن الأخيرة مطلع أغنية اسمها "مكان آمنٌ للحب" للفنان "خالد الشيخ"!!
في رأيي، إن الكتابة بهذا الأسلوب لها دوافعها! فالانفتاح على ثقافات الشعوب الأخرى حتـّم ترجمة بعض قصائدهم إلى العربية، والقصائد إذا تـُرجمت تفقد – في الغالب - الكثير من خصائصها الفنية، وإذا اطلعتم على بعض القصائد المترجمة ستلاحظوا تشابهاً بالذي مثـّلت به. ومن الدوافع أيضاً حُب تحيير الآخرين ولفت انتباههم، وتوصيل بعض التعبيرات المفهومة لدى الكاتب وأحد المعنيِّين دون البقية، والتشتت الذهني، والحياة المتناقضة التي نحياها، والانقلاب على الواقع أو المجتمع، وغيرها الكثير.
إنّ ما أشهد لهذا الأسلوب به هوَ التفنن في انتقاء الألفاظ فقط! وإلاّ فالمعنى ضبابيّ معقـّد كما ترون، والأسلوب غائرٌ في الركاكة، والاستعارات في مُجملها ملفـّقة، وتحتمل ألف تفسير وتفسير، ورُبما قد لا يوجد لها أي تفسير حتى عندَ كاتبها.
لا أعتقد أني سأتجنـّى إن قلت أن هذا هو الانحطاط الأدبي بعينه. وعُذراً أيها السير سيتويل، فلا تفسير لأسلوب كهذا، لا يمت للأدب بصلة، إلا هذا! وحفظ الله "غازي القصيبي" حين قال في كتابه (مائة من أقوالي غير المأثورة): "إذا قرأت كلاماً لا تفهمه لا تحتقر ذكاءك، بل احتقر ذكاء كاتبه".
مجهول قال:
ردحذفيناير 31st, 2007 at 31 يناير 2007 7:37 ص
معك كل الحق.. ووالله قلت كل إللي نفسي فيه.
أروع تحية لأجمل كاتب.. قلباً وقالباً.
إتحاد المدونين العرب - Arabic Bloggers Union قال:
ردحذففبراير 4th, 2007 at 4 فبراير 2007 9:51 م
الأخ الكريم محمد جمال
أرجو أن تساهم معنا في دعم مسيرة الوحدة الوطنية في الخليل غداً ..في مدونتك وفي الصحف والمواقع التي تتعامل معها هنا تجد التفاصيل ووسائل الدعم ..
http://arabictadwin.maktoobblog.com/?post=202523
http://arabictadwin.maktoobblog.com/?post=203458
http://arabictadwin.maktoobblog.com/?post=203223
تقبل مودتي
أسماء عمر قال:
ردحذففبراير 24th, 2007 at 24 فبراير 2007 4:59 ص
حملة المدونات لكشف جرائم الاحتلال الامريكي – الصفوي في العراق
هذه دعوة لأصحاب المدونات التي يؤمن كتابها بأن من لم يهتم بأمر المسلمين فهو ليس منهم،
ولمن يتعاطف بصدق مع اهله في العراق الذي تنزف اليوم جراحاته دماءا، لطالما روت ارض العروبة في محنها ، ليساهموا في كشف جرائم الاحتلال التي بلغت وجرائم حلفائه الصفويين حدا لم تدوّن لمثل بشاعتها صفحات التاريخ بتاتا .
وتتلخص هذه الحملة في قيامنا بنشر جريمة من هذه الجرائم موثقة بصورها ، على ان تحظى بموقع الخبر الاول في صفحة المدونة ، ويتم نشرها في وقت واحد من قبل جميع المساهمين في هذه الحملة ولفترة معينة (تحدد عند تعميمنا الخبر) كأن تكون اسبوع او يزيد عليه ، بحسب تداعياتها .
وباستعانتنا بالله تعالى ، فاننا نزمع ان تكون اولى هذه الحملات هي حملة الجرائم التي يتعرض اليها اهلنا في ( مدينة حديثة) منذ شهور عديدة ..
وقبل اطلاقنا لهذه الحملة وغيرها ، نأمل من الراغبين بالمساهمة فيها التسجيل عبر احد الوسائل التالية :
- تسجيل بريد المراسلة في زاوية التعليقات
- من خلال مراسلتنا عبر رابط راسلني في المدونة
يحيى جابر قال:
ردحذفأغسطس 11th, 2007 at 11 أغسطس 2007 9:27 م
يااااه يا مُحمد
لم اؤمن يوماً بالنقد الأدبي .. و لن أفعل !